من الشريف الجاهل (قوله ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة إلى قوله فساء مطر المنذرين) يقال إنه لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام وقد قص الله تعالى قصته مع قومه في الأعراف وهود والشعراء والنمل والصافات وغيرها وحاصلها أنهم ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم لوط إلى التوحيد والى الاقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ولم يتفق أن يساعده منهم أحد وكانت مدائنهم تسمى سدوم وهي بغور زغر من البلاد الشامية فلما أراد الله اهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى إبراهيم فاستضافوه فكان ما قص الله في سورة هود ثم توجهوا إلى لوط فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفى عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءوا إليه وعاتبوه على كتمانه أمرهم وظنوا أنهم ظفروا بهم فأهلكهم الله على يد جبريل فقلب مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط باهل بيته الا امرأته فإنها تأخرت مع قومها أو خرجت مع لوط فأدركها العذاب فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه فصار عاليها سافلها وصار مكانها بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بشئ مما حولها (قوله يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد) أي إلى الله سبحانه وتعالى يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ويقال ان قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لانهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني ولهذا جاء في بعض طرق هذا الحديث كما أخرجه أحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال فإنه كان يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله نبيا الا في ذروة من قومه زاد ابن مردويه من هذا الوجه ألم تر إلى قول قوم شعيب ولولا رهطك لرجمناك وقيل معنى قوله لقد كان يأوي إلى ركن شديد أي إلى عشيرته لكنه لم يأو إليهم وأوى إلى الله انتهى والأول أظهر لما بيناه وقال النووي يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا وسمي العشيرة ركنا لان الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم وسيأتي في الباب الذي بعده تفسير الركن بلفظ آخر (قوله باب فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون) أي أنكرهم لوط (قوله بركنه بمن معه لانهم قوته) هو تفسير الفراء وقال أبو عبيدة فتولى بركنه وبجانبه سواء انما يعني ناحيته وقال في قوله أو آوي إلى ركن شديد أي عشيرة عزيزة منيعة كذا أورد المصنف هذه الجملة في قصة لوط وهو وهم فإنها من قصة موسى والضمير لفرعون والسبب في ذلك أن ذلك وقع تلو قصة لوط حيث قال تعالى في آخر قصة لوط وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ثم قال عقب ذلك وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه أو ذكره استطرادا لقوله في قصة لوط أو آوي إلى ركن شديد (قوله تركنوا تميلوا) قال أبو عبيدة في قوله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا لا تعدلوا إليهم ولا تميلوا تقول ركنت إلى قولك أي أحببته وقبلته وهذه الآية لا تتعلق بقصة لوط أصلا ثم ظهر لي أنه ذكر هذه اللفظة من أجل مادة ركن بدليل ايراده الكلمة الأخرى وهي ولا تركنوا (قوله فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد) قال أبو عبيدة نكرهم وأنكرهم واحد وكذلك استنكرهم وهذا الانكار
(٢٩٧)