وسلم أبكي لما عرض على أصحابك من العذاب لاخذهم الفداء ورجحت طائفة رأي أبي بكر لأنه الذي استقر عليه الحال حينئذ ولموافقة رأيه الكتاب الذي سبق ولموافقة حديث سبقت رحمتي غضبي ولحصول الخير العظيم بعد من دخول كثير منهم في الاسلام والصحبة ومن ولد لهم من كان ومن تجدد إلى غير ذلك مما يعرف بالتأمل وحملوا التهديد بالعذاب على من أختار الفداء فيحصل عرض الدنيا مجردا وعفا الله عنهم ذلك وحديث عمر المشار إليه في هذه القصة أخرجه أحمد مطولا وأصله في صحيح مسلم بالسند المذكور (قوله وقوله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يعني يغلب في الأرض تريدون عرض الدنيا الآية) كذا وقع في رواية أبي ذر وكريمة وسقط للباقين وتفسير يثخن بمعنى يغلب قاله أبو عبيدة وزاد ويبالغ وعن مجاهد الاثخان القتل وقيل المبالغة فيه وقيل معناه حتى يتمكن في الأرض وأصل الاثخان في اللغة الشدة والقوة وأشار المصنف بهذه الآية إلى قول مجاهد وغيره ممن منع أخذ الفداء من أسارى الكفار وحجتهم منها انه تعالى أنكر اطلاق أسرى كفار بدر على مال فدل على عدم جواز ذلك بعد واحتجوا بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال فلا يستثنى من ذلك الا من يجوز أخذ الجزية منه وقال الضحاك بل قوله تعالى فاما منا بعد وأما فداء ناسخ لقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال أبو عبيد نسخ في شئ من هذه الآيات بل هي محكمة وذلك أنه صلى الله عليه وسلم عمل بما دلت عليه كلها في جميع أحكامه فقتل بعض الكفار يوم بدر وفدى بعضا ومن على بعض وكذا قتل بني قريظة ومن على بني المصطلق وقتل ابن خطل وغيره بمكة ومن على سائرهم وسبى هوازن ومن عليهم ومن على ثمامة بن أثال فدل كل ذلك على ترجيح قول الجمهور ان ذلك راجع إلى رأي الامام ومحصل أحوالهم تخيير الامام بعد الأسر بين ضرب الجزية لمن شرع أخذها منه أو القتل أو الاسترقاق أو المن بلا عوض أو بعوض هذا في الرجال وأما النساء والصبيان فيرقون بنفس الأسر ويجوز المفاداة بالأسيرة الكافرة بأسير مسلم أو مسلمة عند الكفار ولو أسلم الأسير زال القتل اتفاقا وهل يصير رقيقا أو تبقى بقية الخصال قولان للعلماء (قوله باب هل للأسير ان يقتل أو يخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة فيه المسور عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير بذلك إلى قصة أبي بصير وقد تقدم بسطها في أواخر الشروط وهي ظاهرة فيما ترجم له وهي من مسائل الخلاف أيضا ولهذا لم يبت الحكم فيها قال الجمهور ان ائتمنوه يف لهم بالعهد حتى قال مالك لا يجوز أن يهرب منهم وخالفه أشهب فقال لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله وقال أبو حنيفة والطبري اعطاؤه العهد على ذلك باطل ويجوز له أن لا يفي لهم به وقال الشافعية يجوز أن يهرب من أيديهم ولا يجوز أن يأخذ من أموالهم قالوا وان لم يكن بينهم عهد جاز له ان يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك وليس في قصة أبي بصير تصريح بأنه كان بينه وبين من تسلمه ليرده إلى المشركين عهد ولهذا تعرض للقتل فقتل أحد الرجلين وانفلت الآخر ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم مستوفى (قوله باب إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق) أي جزاء بفعله هذه الترجمة يليق ان تذكر قبل بابين فلعل تأخيرها من تصرف النقلة ويؤيد ذلك انهما سقطا جميعا للنسفي وثبت عنده ترجمة إذا حرق المشرك تلو ترجمة لا يعذب بعذاب الله وكأنه أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله لا يعذب بعذاب الله بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص وقد
(١٠٧)