ويحتمل ان يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده ولا يخرج كما تقدم ولا سيما وقد خصه بعضهم بالامام قال المهلب يستفاد منه ان من صار السلطان عليه في جملة المناضلين له ان لا يتعرض لذلك كما فعل هؤلاء القوم حيث أمسكوا لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية ان يغلبوهم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب فامسكوا عن ذلك تأدبا معه انتهى وتعقب بان المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا بل الظاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوة قلوب أصحابهم بالغلبة حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم معهم وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر وقد وقع في رواية حمزة بن عمر عند الطبراني فقالوا من كنت معه فقد غلب وكذا في رواية ابن إسحاق فقال نضلة لا نغلب من كنت معه واستدل بهذا الحديث على أن اليمن من بني إسماعيل وفيه نظر لما سيأتي في مناقب قريش من أنه استدلال بالأخص على الأعم وفيه ان الجد الاعلى يسمى أبا وفيه التنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونه وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها وفيه حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم * الحديث الثاني حديث أبي أسيد بضم الهمزة ووقع في رواية السرخسي وحده بفتحها وهو خطأ وقوله إذا أكثبوكم كذا في نسخ البخاري بمثلثة ثم موحدة والكثب بفتحتين القرب فالمعنى إذا دنوا منكم وقد استشكل بان الذي يليق بالدنو المطاعنة بالرمح والمضاربة بالسيف وأما الذي يليق برمي النبل فالبعد وزعم الداودي ان معنى أكثبوكم كاثروكم قال وذلك أن النبل إذا رمى في الجمع لم يخطئ غالبا ففيه ردع لهم وقد تعقب هذا التفسير بأنه لا يعرف وتفسير الكثب بالكثرة غريب والأول هو المعتمد وقد بينته رواية أبي داود حيث زاد في آخره واستبقوا نبلكم وفي رواية له ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم فظهر ان معنى الحديث الامر بترك الرمي والقتال حتى يقربوا لانهم إذا رموهم على بعد قد لا تصل إليهم وتذهب في غير منفعة والى ذلك الإشارة بقوله واستبقوا نبلكم وعرف بقوله ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم ان المراد بالقرب المطلوب في الرمي قرب نسبي بحيث تنالهم السهام لأقرب قريب بحيث يلتحمون معهم والنبل بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبله ويجمع أيضا على نبال وهي السهام العربية اللطاف * (تنبيه) * وقع في اسناد هذا الحديث اختلاف سأبينه إن شاء الله تعالى في غزوة بدر (قوله باب اللهو بالحراب ونحوها) أي من آلات الحرب وكأنه يشير بقوله ونحوها إلى ما روى أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ليس من اللهو أي مشروع أو مطلوب الا تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ثم أورد فيه حديث أبي هريرة بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب وكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في باب أصحاب الحراب في المسجد من كتاب الصلاة وذكرنا فوائده هناك وفي كتاب العيدين قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا ان يمنعهم وهذا أولى لقوله في الحديث وهم يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلت) وهذا لا يمنع الاحتمال المذكور أولا ويحتمل أن يكون انكاره لهذا شبيه انكاره على المغنيتين وكان من شدته
(٦٨)