أحدا لكونهم لم يغنموا شيئا بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده مثال ذلك أن يقول لو فرض أن أجر البدري بغير غنيمة ستمائة وأجر الاحدى مثلا بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه أخذ الغنيمة مائتان وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجرا من الاحدى وانما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار وكان مبدأ اشتهار الاسلام وقوة أهله فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي التي بعدها جميعا فصارت لا يوازيها شئ في الفضل والله أعلم واختار ابن عبد البر أن المراد بنقص أجر من غنم أن الذي لا يغنم يزداد أجره لحزنه على ما فاته من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بما له فكان الاجر لما نقص عن المضاعفة بسبب الغنيمة عند ذلك كالنقص من أصل الاجر ولا يخفى مباينة هذا التأويل لسياق حديث عبد الله بن عمرو الذي تقدم ذكره وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الاجر في حديث عبد الله بن عمرو حكمة لطيفة بالغة وذلك أن الله أعد للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان السلامة والغنيمة والأخروية دخول الجنة فإذا رجع سالما غانما فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث وان رجع بغير غنيمة عوضه الله عن ذلك ثوابا في مقابلة ما فاته وكان معنى الحديث أنه يقال للمجاهد إذا فات عليك شئ من أمر الدنيا عوضتك عنه ثوابا وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معا قال وغاية ما فيه عد ما يتعلق بالنعمتين الدنيويتين أجرا بطريق المجاز والله أعلم وفي الحديث أن الفضائل لا تدرك دائما بالقياس بل هي بفضل الله وفيه استعمال التمثيل في الاحكام وأن الأعمال الصالحة لا تستلزم الثواب لاعيانها وانما تحصل بالنية الخالصة اجمالا وتفصيلا والله أعلم (قوله باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء) قال ابن المنير وغيره وجه دخول هذه الترجمة في الفقه أن الظاهر من الدعاء بالشهادة يستلزم طلب نصر الكافر على المسلم وإعانة من يعصي الله على من يطيعه لكن القصد الأصلي انما هو حصول الدرجة العليا المترتبة على حصول الشهادة وليس ما ذكره مقصودا لذاته وانما يقع من ضرورة الوجود فاغتفر حصول المصلحة العظمى من دفع الكفار واذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم بحصول ما يقع في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين وجاز تمني الشهادة لما يدل عليه من صدق من وقعت له من اعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك ثم أورد المصنف فيه حديث أنس في قصة أم حرام والمراد منه قول أم حرام ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها وسيأتي الكلام على استيفاء شرحه في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى وهو ظاهر فيما ترجم له في حق النساء ويؤخذ منه حكم الرجال بطريق الأولى وأغرب بن التين فقال ليس في الحديث تمني الشهادة وانما فيه تمني الغزو ويجاب بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو وأم حرام بفتح المهملتين هي خالة أنس ولم يختلف على مالك في اسناده لكن رواه بشر بن عمر عنه فقال عن أنس عن أم حرام وهو موافق رواية محمد بن يحيى بن خبان عن أنس التي ستأتي (قوله وقال عمر الخ) تقدم في أواخر الحج بأتم من هذا السياق وتقدم هناك شرحه وبيان من وصله (قوله باب درجات المجاهدين في سبيل الله) أي بيانها وقوله يقال هذه سبيلي أي ان السبيل يذكر ويؤنث وبذلك جزم الفراء فقال في قوله تعالى ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزؤا الضمير يعود على آيات القرآن
(٨)