فقلت مالك قالت أخاف الله رب العالمين فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وفي حديث ابن أبي أوفى فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة أذكرت النار فقمت عنها والجمع بين هذه الروايات ممكن والحديث يفسر بعضه بعضا وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل واستنجاز وعده بسؤاله واستنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذكر ذلك في الاستسقاء واستشكله المحب الطبري لما فيه من رؤية العمل والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى لأنه مقام التضرع وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لم يستشفعوا بأعمالهم وانما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة وقبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم فتضمن جوابه تسليم السؤال لكن بهذا القيد وهو حسن وقد تعرض النووي لهذا فقال في كتاب الاذكار باب دعاء الانسان وتوسله بصالح عمله إلى الله وذكر هذا الحديث ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء ثم قال وقد يقال إن فيه نوعا من ترك الافتقار المطلق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليهم بفعلهم فدل على تصويب فعلهم وقال السبكي الكبير ظهر لي أن الضرورة قد تلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا وأن هذا منه ثم ظهر لي انه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية لقول كل منهم ان كنت تعلم اني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فلم يعتقد أحد منهم في عمله الاخلاص بل أحال امره إلى الله فإذا لم يجزموا بالاخلاص فيه مع كونه أحسن أعمالهم فغيره أولي فيستفاد منه ان الذي يصلح في مثل هذا ان يعتقد الشخص تقصيره في نفسه ويسئ الظن بها ويبحث على كل واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه فيفوض أمره إلى الله ويعلق الدعاء على علم الله به فحينئذ يكون إذا دعا راجيا للإجابة خائفا من الرد فإن لم يغلب على ظنه اخلاصه ولو في عمل واحد فليقف عند حده ويستحي ان يسأل بعمل ليس بخالص قال وانما قالوا ادعوا الله بصالح أعمالكم في أول الأمر ثم عند الدعاء لم يطلقوا ذلك ولا قال واحد منهم أدعوك بعملي وانما قال إن كنت تعلم ثم ذكر عمله انتهى ملخصا وكأنه لم يقف على كلام المحب الطبري الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكر والله أعلم وفيه فضل الاخلاص في العلم وفضل بر الوالدين وخدمتهما وايثارهما على الولد والاهل وتحمل المشقة لأجلهما وقد استشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم فقيل كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم وقيل يحتمل ان بكاءهم ليس عن الجوع وقد تقدم ما يرده وقيل لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سد الرمق وهذا أولى وفيه فضل العفة والانكفاف عن الحرام مع القدرة وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها وان التوبة تجب ما قبلها وفيه جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين وفضل أداء الأمانة واثبات الكرامة للصالحين واستدل به على جواز بيع الفضولي وقد تقدم البحث فيه في البيوع وفيه أن المستودع إذا أتجر في مال الوديعة كان الربح لصاحب الوديعة قاله أحمد وقال الخطابي خالفه الأكثر فقالوا إذا ترتب المال في ذمة الوديع وكذا المضارب كان تصرف فيه بغير ما أذن له فيلزم ذمته انه ان أتجر فيه كان الربح له وعن أبي حنيفة الغرامة عليه واما الربح فهو له لكن يتصدق به وفصل الشافعي فقال إن اشترى في ذمته ثم نفذ الثمن من مال الغير فالعقد له والربح له وان اشترى بالعين فالربح للمالك وقد تقدم نقل الخلاف فيه في البيوع أيضا وفيه الاخبار عما جرى للأمم الماضية ليعتبر
(٣٧١)