ان الرجل سأل ابن مسعود عن حكم طاعة الأمير فاجابه ابن مسعود بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقا لتقوى الله تعالى (قوله ما غبر) بمعجمة وموحدة مفتوحتين أي مضى وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي وهو هنا محتمل للأمرين قال ابن الجوزي هو بالماضي هنا أشبه كقوله ما أذكر والنغب بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة ويجوز فتحها قال القزاز وهو أكثر وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق وقيل هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيا باردا وقيل هو نقرة في صخرة يبقى فيها الماء كذلك فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه وما بقي منها بما تأخر من كدره وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود وقد مات هو قبل مقتل عثمان ووجود تلك الفتن العظيمة فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك وهلم جرا وفي الحديث انهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الامام وأما توقف ابن مسعود عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللاشكال الذي وقع له من ذلك وقد أشار إليه في بقية حديثه ويستفاد منه التوقف في الافتاء فيما أشكل من الامر كما لو أن بعض الأجناد استفتى ان السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق فمن أجابه بوجوب طاعة الامام أشكل الامر لما وقع من الفساد وان أجابه بجواز الامتناع أشكل الامر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة فالصواب التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله والله الهادي إلى الصواب (قوله باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس) أي لان الرياح تهب غالبا بعد الزوال فيحصل بها تبريد حدة السلاح والحرب وزيادة في النشاط أورد فيه حديث عبد الله بن أبي أوفى بمعنى ما ترجم به لكن ليس فيه إذا لم يقاتل أول النهار وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه فعند أحمد من وجه آخر عن موسى ابن عقبة بهذا الاسناد انه كان صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل إذا زالت الشمس ثم ينهض إلى عدوه وللمصنف في الجزية من حديث النعمان بن مقرن كان إذا لم يقاتل أول النهار أنتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من وجه آخر وصححاه وفي روايتهم حتى تزول الشمس وتهب الأرواح وينزل النصر فيظهر أن فائدة التأخير لكون أوقات الصلاة مظنة إجابة الدعاء وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك والله أعلم وقد أخرج الترمذي حديث النعمان بن مقرن من وجه آخر عنه لكن فيه انقطاع ولفظه يوافق ما قلته قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت الشمس قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم * (تنبيه) * وقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه زيادة في الدعاء وسيأتي التنبيه عليها في باب لا تتمنوا لقاء العدو مع بقية الكلام على شرحه إن شاء الله تعالى (قوله باب استئذان الرجل) أي من الرعية (الامام) أي في الرجوع أو التخلف عن الخروج أو نحو ذلك (قوله انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا
(٨٥)