ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل بالجهاد وهذه هي النكتة في قوله أعدها الله للمجاهدين وإذا تقرر هذا كان فيه تعقب أيضا على قول بعض شراح المصابيح سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين الجهاد في سبيل الله وبين عدمه وهو الجلوس في الأرض التي ولد المرء فيها ووجه التعقب ان التسوية ليست على عمومها وانما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما قررته والله أعلم وليس في هذا السياق ما ينفي أن يكون في الجنة درجات أخرى أعدت لغير المجاهدين دون درجة المجاهدين (قوله كما بين السماء والأرض) في رواية محمد بن جحادة عند الترمذي ما بين كل درجتين مائة عام وللطبراني من هذا الوجه خمسمائة عام فان كانتا محفوظتين كان اختلاف العدد بالنسبة إلى اختلاف السير زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم (قوله أوسط الجنة وأعلى الجنة) المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فعلى هذا فعطف الاعلى عليه للتأكيد وقال الطيبي المراد بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي وقال بن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية (قوله وأرى) بضم الهمزة وهو شك من يحيى بن صالح شيخ البخاري فيه وقد رواه غيره عن فليح فلم يشك منهم يونس بن محمد عند الإسماعيلي وغيره (قوله ومنه تفجر أنهار الجنة) أي من الفردوس ووهم من زعم أن الضمير للعرش فقد وقع في حديث عبادة بن الصامت عند الترمذي والفردوس أعلاها درجة ومنها أي من الدرجة التي فيها الفردوس تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون عرش الرحمن وروى إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق شيبان عن قتادة عنه قال الفردوس أوسط الجنة وأفضلها وهو يؤيد التفسير الأول (قوله قال محمد بن فليح عن أبيه وفوقه عرش الرحمن) يعني أن محمدا روى هذا الحديث عن أبيه باسناده هذا فلم يشك كما شك يحيى بن صالح بل جزم عنه بقوله وفوقه عرش الرحمن قال أبو علي الجياني وقع في رواية أبي الحسن القابسي حدثنا محمد بن فليح وهو وهم لان البخاري لم يدركه (قلت) وقد أخرج البخاري رواية محمد بن فليح لهذا الحديث في كتاب التوحيد عن إبراهيم بن المنذر عنه بتمامه ويأتي بقية شرحه هناك ورجال اسناده كلهم مدنيون والفردوس هو البستان الذي يجمع كل شئ وقيل هو الذي فيه العنب وقيل هو بالرومية وقيل بالقبطية وقيل بالسريانية وبه جزم أبو إسحاق الزجاج وفي الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين وفيه عظم الجنة وعظم الفردوس منها وفيه إشارة إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد اما بالنية الخالصة أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس بعد ان أعلمهم انه أعد للمجاهدين وقيل فيه جواز الدعاء بما لا يحصل للداعي لما ذكرته والأول أولى والله أعلم (قوله حدثنا موسى) هو ابن إسماعيل وجرير هو ابن حازم وحديث سمرة تقدم بطوله في الجنائز وهذه القطعة شاهدة لحديث أبي هريرة المذكور قبله ومفسرة لان المراد بالأوسط الأفضل لوصفه دار الشهداء في حديث سمرة بأنها أحسن وأفضل (قوله باب الغدوة والروحة في سبيل الله) أي فضلها والغدوة بالفتح المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى
(١٠)