حديث ابن عباس خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشئ فمفهومه أن من رجع بذلك لا ينال الفضيلة المذكورة لكن يشكل عليه ما وقع في آخر حديث الباب 2 وتوكل الله للمجاهد الخ ويمكن أن يجاب بأن الفضل المذكور أولا خاص بمن لم يرجع ولا يلزم من ذلك أن لا يكون لمن يرجع أجر في الجملة كما سيأتي البحث فيه في الذي بعده وأشد مما تقدم في الاشكال ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء مرفوعا ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله فإنه ظاهر في أن الذكر بمجرده أفضل من أبلغ ما يقع للمجاهد وأفضل من الانفاق مع ما في الجهاد والنفقة من النفع المتعدي قال عياض اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد لان الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة معادلة لاجر المواظب على الصلاة وغيرها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تستطيع ذلك وفيه أن الفضائل لا تدرك بالقياس وانما هي إحسان من الله تعالى لمن شاء واستدل به على أن الجهاد أفضل الأعمال مطلقا لما تقدم تقريره وقال ابن دقيق العيد القياس يقتضي أن يكون الجهاد أفضل الأعمال التي هي وسائل لان الجهاد وسيلة إلى اعلان الدين ونشره واخماد الكفر ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم (قوله قال أبو هريرة ان فرس المجاهد ليستن) أي يمرح بنشاط وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معا وقال غيره أن يلج في عدوه مقبلا أو مدبرا وفي المثل استنت الفصال حتى القرعى يضرب لمن يتشبه بمن هو فوقه وقوله في طوله بكسر المهملة وفتح الواو وهو الحبل الذي يشد به الدابة ويمسك طرفه ويرسل في المرعى وقوله فيكتب له حسنات بالنصب على أنه مفعول ثان أي يكتب له الاستنان حسنات وهذا القدر ذكره أبو حصين عن أبي صالح هكذا موقوفا وسيأتي بعد بضعة وأربعين بابا في باب الخيل ثلاثة من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعا ويأتي بقية الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى (قوله باب أفضل الناس مؤمن مجاهد) في رواية الكشميهني يجاهد بلفظ المضارع (قوله وقوله يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة) أي تفسير هاتين الآيتين وقد روى ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير أن هذه الآية لما نزلت قال المسلمون لو علمنا هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والاهلين فنزلت تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون الآية هكذا ذكره مرسلا وروى هو والطبري من طريق قتادة قال لولا أن الله بينها ودل عليها لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها حتى يطلبونها (قوله قيل يا رسول الله) لم أقف على اسمه وقد تقدم ان أبا ذر سأله عن نحو ذلك (قوله أي الناس أفضل) في رواية مالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا ووصله الترمذي والنسائي وابن حبان من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن ابن عباس خير الناس منزلا وفي رواية للحاكم أي الناس أكمل ايمانا وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به ثم حصل هذه الفضيلة وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية وحينئذ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى ولما فيه من النفع المتعدي وانما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة لان الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام فقد
(٤)