ميزان قسط الله الذي وضع في الأرض لإنصاف المظلوم من الظالم، والأخذ للضعيف من القوي، وإقامة حدود الله على سننها ومناهجها التي لا تصلح العباد والبلاد إلا عليها.
فاختر للقضاء بين الناس أفضل رعيتك في نفسك (1) أجمعهم للعلم والحلم والورع ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يضجره عي العيي، ولا يفرطه جور الظلوم، ولا تشرف نفسه على الطمع، ولا يدخله إعجاب، ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم عند الشبهة، وآخذهم لنفسه بالحجة، وأقلهم تبرما من تردد الحجج، وأصبرهم على تكشف الأمور، وإيضاح الخصمين (2) لا يزدهيه الإطراء، ولا يشليه الإغراء ولا يأخذ فيه التبليغ بأن يقال: قال فلان وقال فلان.
فول القضاء من كان كذلك، ثم أكثر تعاهد أمره وقضاياه، وأبسط عليه من البذل ما يستغني به عن الطمع، وتقل به حاجته إلى الناس، واجعل له منك منزلة (3) لا يطمع فيها غيره حتى يأمن من اغتياب الرجال إياه عندك، فلا يحابي أحدا للرجاء، ولا يصانعه لاستجلاب حسن الثناء، وأحسن توقيره في مجلسك، وقربه منك، ونفذ قضاياه، وأمضه، ا واجعل له أعوانا يختارهم لنفسه من أهل العلم والورع.
واختر لأطرافك قضاة تجهد فيهم نفسك على قدر ذلك، ثم تفقد أمورهم وقضاياهم، وما يعرض لهم من وجوه الأحكام، ولا يكن في حكمهم اختلاف، فإن ذلك ضياع للعدل، وعورة في الدين وسبب للفرقة، وإنما تختلف القضاة لاكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون الإمام، فإذا اختلف قاضيان فليس لهما أن يقيما على اختلافهما