من الجوسق إلى باب الاقشين بقرب المطيرة أؤمل أن أدرك أبا دلف من قبل أن يحدث عليه حادثة. فلما بلغت بابه كرهت أن أستأذن فيعلم أنى قد حضرت بسبب أبى دلف فيعجل عليه فدخل فدخلت على دابتي إلى الموضع الذي كنت أنزل فيه وأوهمت حاجبه أنى قد جئت برسالة من المعتصم، ثم نزلت فرفع الستر فدخلت فوجدت الاقشين في مجلسه، وأبا دلف مصفدا بالحديد بين يديه على نطع وهو يقرعه ويخاطبه بأشد عضب وأغلظ مخاطبة فحين قربت منه أمسك. فسلمت وأخذت مجلسي ثم قلت للاقشين: قد عرفت حرمتي بأمير المؤمنين وخدمتي إياه، وموضعي عنده، وموقعي من رأيه وتفرده بالصنيعة عندي، والاحسان إلى وعلمت مع ذلك ميلى إليك ومحبتي لك وقد رغبت إليك فيما يرغب إليه مثلي إلى مثلك ممن رفع الله قدره، وأجل خاطره، وأعلى همته فقال: كلما قلت وكلما أردته منى فهو مبذول لك خلا هذا الجالس فانى لا أشفعك فيه. فقلت: ما جئتك إلا في أمره، ولا ألتمس منك غيره ولولا شدة غضبك وما تتوعده به من القتل لكان في جميل عفوك ما أغنى عن كلامك، ولكني لما عرفت غضبك وما تنقمه عليه احتجت مع موقعه منى إلى كلامك في أمره، واستيهاب عظيم جرمه إذ كان مثلك في جلالتك إنما يسئل جلائل الأمور فقال يا أبا عبد الله. هذا رجل طلب دمى، ولم يقتصر على إزالة نعمتي، ولا سبيل إلى تشفيعك فيه، ولكن هذا بيت مالي، وهذه ضياعي وكل ما أملك فخذ من ذلك ما أردت. فقلت: بارك الله لك في مالك وثمرها لك، ولم آت لهذا وإنما أتيت في مكرمة يبقى فضلها، وتحسن أحدوثتها، وتعتقد بها منة في عنقي لا أزال مرتهنا بشكرها. فقال: ما عندي في هذا شئ البتة. فقلت له: القاسم بن عيسى فارس العرب وشريفها فاستبقه وأنعم عليه فإن لم تره لهذا أهلا فهبه للعرب كلها، وأنت تعلم أن ملوك العجم لم تزل تفضل على ملوك العرب، ومن ذلك ما كان من كسرى إلى النعمان حتى ملكه، وأنت اليوم بقية العجم فأنعم على شريف من العرب بالعفو عنه، فقال: ما عندي في هذا إلا ما سمعته، وتنكر وتبينت الشر في وجهه. فقلت في نفسي: أنصرف وأدع هذا يقتل أبا دلف لا والله، ولكن أمثل بين يديه قائما وأسأله فلعله يستحى
(٢٨١)