فقال هات: فقصصت عليه قصتي مع القوم إلى آخرها، فتعجب وقال هلا شرحتها لي فيما قبل، حتى كنت أطلبهم؟ وأنتصف لك منهم. فقلت: إن الفزع الذي كان في قلبي منهم لم يبسط لساني به. فقال: فمن الذي كان معك من هؤلاء؟ قلت: الغلام وأستاذه وواحد من الباقين، فأمر بحل كتافهم وتميزهم من بين أصحابهم ودعا مقبل. فقال: ما حملك على ما فعلت بابن أستاذك؟
قال سوء الأصل، وخبث العرق فقال لا جرم تقابل بفعلك وأمر به فضرب عنقه وأصحابه الباقين، ودعا بالغلام وأستاذه وصاحبهما وقال لهما: لقد أحسنتما في دفعكما عن هذا الفتى، والله يجزيكما عن فعلكما الخير، فتوبا إلى الله من فعلكما، وانصرفا في صحة الله مع صاحبكما، ولا تعودا لما كنتما عليه من التلصص. فقد مننت عليكما لحسن صنعكما مع هذا الفتى، فإن ظهرت منكما ثانيا، ألحقتكم بأصحابكم. فشكروه ودعوا له وانصرفوا وشكرته على ما فعل والحمد لله على توفيقي لقضاء حق من أجارني والانتقام ممن ظلمني ثم صار ذلك الغلام وأستاذه من أصدقائي وكان يختلفان إلى وحكى إبراهيم بن عبد السلام الهاشمي البصري. قال: كان عندنا بالمريد رجل من خول محمد بن سليمان الهاشمي وكان مؤنثا يسمى عياد، وكان يحمل السلاح فاجتمع يوما مع قوم من الخول على شراب لهم، فتجاروا حديث الشجاعة فعابوه بما فيه من التأنيث فخاطرهم في شئ يعمله مما يعرضون عليه يبين به من شجاعته فقالوا له يخرج الساعة بغير سلاح إلى صهاريج الحجاج فيدخل منها الصهريج الفلاني ويسمر في أرضه في هذا الوتد ويعود وهذه الصهاريج على أكثر من فرسخ من البصرة في البرية وهي موحشة المكان خالية يجتمع فيها الماء وكان الحجاج قد عملها لشرب أهل الموسم والقوافل. قال:
فأخبرني عباد. قال: خرجت وليس معي إلا وتد ومطرقة حتى بلغت الصهريج الذي خاطرت عليه، وكان أعظمها وأوحشها فدخلت وكان جافا وجلست وضربت الوتد بالمطرقة في أرضه فطن الصهريج فسمعت صلصلة شديدة وصوت سلسلة فقطعت الدق وانقطع الصوت وأعدت الدق فعاد