فقال له: إن أمير المؤمنين قد أمرني أن أتخير ناحية من نواحي الخراج صالحة المرفق ليوقع بتقليدي إياها فاختر لي ناحية من نواحي الخراج فقال: لا أعرف لك عملا أولى بك من بريدات البحر وصدقات الوحش. فقال له أكتبه لي فكتبه له فعرض الشيعي الرقعة على لمأمون وسأله تقليده العمل. فقال له: من كتب هذه الرقعة؟ فقال شيخ من الكتاب يحضر الدار في كل يوم. فقال هلمه فلما حضر قال له ما هذا يا جاهل؟ تفرغت لأصحابي. فقال: يا أمير المؤمنين أصحابنا هؤلاء ثقات يصلحون لحفظ ما يقع في أيديهم من الخزائن والأموال، وأما شروط الخراج وحكمه، وما يجب تعجيل استخراجه، وما يجب تأخيره، وما يجب اطلاقه وما يجب منعه، وما يجب انفاقه، وما يجب احتباسه، فلا يعرفونه وتقليدهم إياه يعود بذهاب الارتفاع فإن كنت يا أمير المؤمنين لا تثق بنا فمر إلى أن يضم إلى كل رجل منهم رجل منا فيكون الشيعي يحفظ المال ونحن نجمعه. فاستصاب المأمون كلامه وأمر بتقليد عمال السواد، وكتابه وأن يضم إلى كل واحد منهم رجلا من الشيعة وضم مخلد إلى ذلك الشيخ فقلده ناحية جليلة.
ووجدت في كتاب أبى الفرج الحنطي المخزومي الكاتب أن محمد بن عبد الحميد الحسمي قال: حججت في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وأنا في بعض المنازل راجعا إذ غشيتنا فقراء المدينة يستميجون، فوقفت على جارية تتصدق بوجه كأنه القمر حين استدار، ولون الشمس حين أنار، فرددت طرفي عنها واستعذت بالله من الفتنة بها، فلم تزل بين رجال الحاج وتعود إلى رحلي حتى وقفت فقلت لها: أما تستحين أن تبدين مثل هذا الوجه في مثل هذا الوقت والموضع بحضرة الخلائق فلطمت وجهها وقالت:
لم أبده حتى نقضت حيلتي * أبديته وهو الأعز الأكرم ويعز ذاك على إلا أنه * دهر يجور كما تراه ويظلم قد صنته وحجبته حتى إذا * لم يبق لي طمع ومات الهيثم