كالقباب على العادة فيما يراد تجفيفه من القصب، وكان يوما صائفا، وكدني الحر، فدخلت أحدى تلك القباب القصب، وهي تكون باردة جدا وعادة التجار أن يسكنوا بها فنمت في القبة فلبردها استثقلت في النوم.
فانتبهت بعد العصر، وقد انصرف الناس من القصباء، وهي موضع بالبصرة في أعلاها صحراء وبساتين فاستوحشت للوحدة، وعملت على القيام فإذا بأفعى غليظ الساعد طويل متدور على باب القبة كالطبق، ولم أجد سبيلا إلى الخروج، ويئست من نفسي وتحيرت وجزعت جزعا شديدا. فأخذت في التشهد والتسبيح والفزع إلى الله تعالى، وإني لكذلك إذ جاء ابن عرس من بعيد فلما رأى الأفعى تأمله ثم رجع من حيث جاء، وأتى ثانيا ومعه ابن عرس آخر فوقف أحدهما يتأمله على يمين القبة، والآخر على اليسار، وصار أحدهما عند رأس الحية والآخر عند ذنبه، والحية غافلة عنهما ثم وثبا عليه في آن واحد وعضاه فاضطرب ولم يفلت منهما وجراه حتى بعدا عن عيني فخرجت من القبة سالما.
عن الحسن بن علي الأنصاري المقرئ بالرملة، وكان فارسا فاتكا شجاعا جلدا قال: خرجت في قافلة من الرملة صاحبها ابن الحداد وأنا على مهر لي، وعلى سلاحي، فبلغنا في ليلة ظلماء إلى واد عميق جدا عمقه نحو فرسخ، وفى بطنه ماء يجرى وعليه شجر كثير، وهو مشهور بالسباع والطريق على جنبه في مضيق فازدحمت القافلة فسقط جمل عليه بز فرأيت صاحبه يلطم ويبكى، وكان موسرا فدعاه ابن الحداد، وقال له: أنت رجل موسر فما هذا الجزع؟
فقال له: على الجمل أكثر من عشرة آلاف دينار. فنادى في القافلة من ينزل ويخلص الجمل ويرده إلى صاحبه وله ما يشاء؟ فلم يجسر أحد على ذلك فلما كرر النداء أجبته وقلت: عجل لي الدنانير. فقال: لا ولكن أكتب لك بها الساعة كتابا.، وأشهد من في القافلة فإذا صار الجمل وحمله مع ما فيه من المال عندي فالمال لك فكتبنا كتابا بذلك وأشهدنا القافلة، وأعطيتهم دابتي ورحلي أخذت سيفا وحجفة وشمعة، ودنوت للنزول فرأيت منزلا غرني فاستعجلت