لحق لزمني فوجه بها إليه ثم قال لصالح هذه ثمانية آلاف درهم ثم أطرق اطراقه لأنه لم يكن عنده شئ ثم رفع رأسه إلى خادم له فقال له امض إلى دنانير فقل لها وجهي إلى بالعقد الذي كان أمير المؤمنين وهبه لك فجاءه به فإذا بعقد كعظم الذراع ثم التفت إلى صالح وقال له قد اشتريت هذا العقد لأمير المؤمنين بثمانية وعشرين ألف دينار وقد حسبته عليك الآن بألف ألف درهم وهذا تمام حقك فانصرف وخل عن صاحبنا فلا سبيل لك عليه قال صالح فأخذت ذلك ورددت منصورا معي فلما صرت بالباب أنشأ منصور متمثلا بقول:
فما بقي على تركتماني * ولكن خفتما ضرب النبال فقال صالح ما على وجه الأرض رجل أنبل من هذا الذي خرجنا من عنده، ولا سمعت بمثله فيما مضى من الدهر ولا على وجه الأرض أخبث سريرة ولا أكفر نعمة ولا أدنى طمعا من هذا النطي، لم يشكر من أعطاه وزن عن هذا المال العظيم. قال: وصرت إلى الرشيد فقصصت عليه القصة وطويت عنه ما تمثل به منصور، خوف أن يقتله إذا سمع ذلك. فقال الرشيد:
قد علمت أنه إن نجا إنما ينجو بأهل هذا البيت، اطلق الرجل واقبض المال واردد العقد، فإني لم أكن لأهب هبة وترجع إلى مالي. قال صالح: فلم أطب نفسا إلا بتعريف يحيى ما قاله منصور عند خروجنا من المنزل من عنده. فرجعت إليه وأطنبت في شكره والدعاء له، ووصف ما كان منه. وقلت: ولكن أنعمت على غير شاكر قابل أكرم فعل بألأم قول. قال: وكيف؟ فأخبرته بما كان، فجعل والله يطلب له المعاذير، ويقول يا با علي أن المنحوت القلب ربما سبقه لسانه بما ليس في ضميره، وكان الرجل في حال عظيمة. قال صالح.
فقلت له والله ما أدرى من أي أمر بك أعجب من أوله أم من آخره، ولكني أعلم أن الدهر لا يخلف مثلك أبدا. قال: وكان علي بن عيسى القمي ضامنا يعمل الخراج والضياع ببلده، فبقيت عليه أربعون ألف دينار. ولح المأمون في طلابته حتى قال لعلي بن صالح حاجبه طالبه بالمال وانظره ثلاثة أيام فإن أحضر المال قبل انقضائها وإلا فاضربه بالسياط حتى يؤديها