وائتناسه بملازمتي وافتقاده بالدعوات ففعلت فكنا متلازمين لا نفترق ووجدته أحلى الناس حديثا وأحسنهم أدبا وأتمهم عقلا ولم أر قط أشد تغزلا ولا تهالكا في العشق منه فحدثني يوما قال عشقت مغنية في القيان عشقا مبرحا شديد فراسلت مولاتها في بيعها منى فطلبت فيها ثلاثة آلاف دينار وكنت أعرف من نفسي الملل فخشيت أن اشتريتها ان أملها فدافعت بذلك ومضت أيام فانصرفت من عندي يوما وقد كان المقتدر بالله أمر أن يشترى له مغنيات وأنا لا أعلم فكانت الجارية حسنة الوجه والغنا فحملت إلى المقتدر في جملة جوار فأمر بشرائهن كلهن فاشتريت في جملتهن وأنفذت من غد أستدعيها من مولاتها فأخبرت بالخبر فقامت على القيامة ودخل على قلبي من الأحزان أمر ما دخل مثله على قط من نكبة فضلا عن عشق وزاد الامر على حتى انتهى بي إلى حد الوسواس وامتنعت عن النظر في أمر داري وتشاغلت بالبكاء ولم يكن لي سبيل إلى الغراء وكنت أكتب حينئذ لام المتقى وله وكان حدثا فتأخرت عنهما أياما وأخللت بأمرهما وأنا متوفر تلك الأيام على الطوالي في الصحارى ولا آكل ولا أشرب ولا أتشاغل بأكثر من الهيمان وأنكر المتقى وأمه أمرى لتأخري فاستدعاني وخاطبني في شئ من أمرى فوجدني لا أعى ما يقوله فسألني عن سبب اختلاطي فصدقته وبكيت بين يديه وسألته أن يسأل إباه بيع الجارية على أو هبتها. فقال: ما أجسر على هذا قال فزاد على الامر وبطلت وبلغ أم المتقى الخبر وراسلتها بما سألت به ابنها فرقت لي وحملت نفسها ان خاطبت أم المقتدر في أمرى فقالت لها السيدة ما العجب من الرجل فإن الذي في قلبه من العشق أعماه عن وجه الرأي إنما العجب منك كيف وقع لك أنه يجوز أن تقول للخليفة أنزل عن جاريتك لرجل يعشقها فراسلتني أم المتقى بما جرى فزاد ما بي من القلق وكنت لا ألقى أحدا من رؤساء البلد كالوزير ونصر القسوري وحاشية الخليفة إلا وأقصدهم وأبكى بين أيديهم وأحدثهم حديثي واسألهم مسألة الخليفة تسليم الجارية إلى ببيع أو هبة فمنهم من ينكر على ومنهم من يوبخني ومنهم من يرثى لي فيعذرني ومنهم من يقول: إن عم الخليفة هذا منك وانك تتعرض لخدمه فإن فيه تلف
(٣٨٤)