فدعى بخادم معه الدواة ثم أمره وهو يكتب بإملائه إلى عبد الملك بن ثور النميري وهو يومئذ على البصرة أن أمير المؤمنين قد رضى عن قطن بن معاوية فاردد عليه ضياعه ودوره وجميع ما قبض له فاعلم ذلك وأنفذه إن شاء الله تعالى. ثم ختم الكتاب ودفعه إلى فخرجت من ساعتي لا أدرى أين أذهب فإذا الحرس بالباب فجلست مع أحدهم أحدثه فلم ألبث أن خرج الربيع وقال:
أين الرجل الذي خرج الساعة؟ فقمت إليه فقال: انطلق أيها الرجل فقد والله سلمت. ثم صحبني إلى منزله فعشاني وفرش لي فلما أصبحنا ودعته وأتيت غلماني وأرسلتهم يكترون لي سميرة فوجدوا صديقا لي من الدقاقين من أهل نيسان وقد اكترى سميرة لنفسه فحملني معه فقدمت على عبد الاعلى بن أيوب بكتاب أبى جعفر فأقعدني عنده حتى رد ما اصطفى لي.
حدثني عبد الله بن أحمد بن معروف بن أبي القاسم قال: كنت بمصر وكان بها رجل يعرف بالناظري من أبناء حلب قد قبض سيف الدولة ضيعته وصادره فهرب منه إلى كافور الأخشيدي فأجرى عليه جراية سابغة في كل شهر كما كان يجرى على جميع من يقصده من الجرايا التي تسمى الراتب وكان له مالا عظيما قدره في السنة خمسون ألف دينار لأرباب النعم وأجناس الناس وليس فيها لاحد من الجيش ولا من الحاشية ولا من المتصرفين في الأعمال شئ. قال: فجرى يوما ذكر الناظري بحضرة كافور فقيل له إنه فاسق بغاء وكثرت عليه الحكايات في ذلك فأمر بقطع جرايته فرفع إليه قصته يشكوا فيها انقطاع راتبه ويسأل التوقيع بإعادة صرفه، فأمر كافور فوقع على ظهرها قد صح عندنا أنك رجل تصرف ما نجريه عليك فيما يكرهه الله من الفساد وما نرى أن نعينك على ذلك فالحق بمن شئت فلا خير لك عندنا بعدها قال:
فلما قرأها الناظري عمل محضرا فيه خطوط كثير ممن يعرف أنه مستور ولم يعهد فيه البغاء واحتج بالمحضر وجعله طي رقعة قال فيها إن الذي كان يدفع إليه لم يكن لأجل حفظه فرجه وهتكته وإنما كان لأنه منقطع غريب هارب مفارق لنعمته وأن الله عز وجل أقدر على قطع أرزاق من يرتكب المعاصي