وكان فيمن هرب الفتى الذي كنت ألزم مجلسه فغاب سنين كثيرة حتى مات إسحق فبينما أنا ذات يوم في بعض شوارع بغداد إذا أنابه فقلت أبو غالب؟
قال نعم فإذا تحته دابة فاره وسرج محلى وعليه ثياب حسنة فقلت: عرفني حالك؟ قال: إلى المنزل. فسرت معه فاحتبسني ذلك اليوم عنده فرأيت فيه مروءة فسألته عن حاله فقال: لما طلبنا اسحق استترت فلما بلغني ما عامل به من كان معي في الخيانة ضاقت على بغداد فخرجت على وجهي خوفا من العقوبة حتى وافيت ديار مصر مستخفيا وطلبت التصرف فتعذر على وتفرق من كان معي ولم يصبر إلا غلام واحد فرقت حالي جدا حتى بعت ما في البيت عن آخره على قلة فأصبحت يوما فقال لي غلامي: أي شئ تعمل اليوم؟ فما معنا حبة. فقلت: خذ مبطنتي فبعها واشتر لنا ما نحتاج إليه فخرج الغلام وبقيت في الدار وحدي أفكر فيما وقعت فيه من الغربة والشدة والوحدة والعطلة، وتعذر المعيشة والتصرف، ومن اقترض منه فكاد عقلي أن يزول فبينما أنا كذلك وقد استلقيت على قفاي إذا بجرذ قد خرج من كوة البيت وفي فيه دينار فوضعه ثم عاد فأخرج دينارا آخر وما زال كذلك حتى أخرج ثمانين دينارا فصفها وجعل يتمرغ ويلعب وأنا أنظر إليه وأظهر التناوم وقد قويت نفسي ولست أتحرك لئلا يستوحش الجرذ ولا يحضر غيرها فما زال يلعب حتى أخذ واحدا ودخل الكوة فقمت وأخذت الدنانير وشددتها، وجاء الغلام ومعه ما قد ابتاعه فتغذينا وقلت له: اشتر لنا فاسا. فقال: ماذا نصنع به فحدثته الحديث وأريته الدنانير وقلت: عزمت على أن أقلع الكوة فلعل فيها شئ آخر فمضى وجاء به فحفرنا الكوة فأفضى بنا الحفر إلى بركة فيها سبعة آلاف دينار فأخذناها وأصلحنا الموضع على ما كان وخرجت فأخذت بالمال سفاتج بعد أن تركت بعضه وأنفذت الغلام بالسفانج إلى بغداد وانتظرته حتى ورد كتابه بصحة تلك السفاتج وتحصيله المال في بيتي وان إسحاق قد مات فانحدرت إلى بغداد وابتعت بالمال ضيعة فأئمرت ونمت فلزمتها وتركت التصرف.