فأحضر بعض الأطباء وسأل عن حاله، ففتشه فوجد أثر لسغ الجرارة في إبهام رجله اليسرى فقال له: انتقل الساعة من هذا الخان فإنه مشهور بكثرة الجرارات، وقد لسعتك واحدة منهن فأبرأتك، وعشت بشئ ما عاش به أحد قط، وقامت حرارتها ببرد الفالج فأزالته ولم تتجاوزه فتقتلك، وسيعقب ذلك حدة وحرارة فاصبر لها حتى أعالجك باليسير من الرطوبة فلا ترجع إليك رطوبة الفالج، وانتقل لئلا تلسعك أخرى فتتلف فانتقل الرجل، وتعاهده الطبيب فحم المفلوج من غد. فلطف به في علاجه حتى برأ.
حدثني عبيد الله بن محمد بن الصروي قال: كنت أتصرف مع المختار بن الغيث بن حمران أحد قواد بنى عقيل فسار وأنا في جملته مع دكين الشيرازي لما تغلب على الموضع يطلب ناصر الدولة، وصار العسكر منتشرا سائرا بعجلة، وكان تحتي حجرة فصرت في أخريات الناس ثم انقطعت عن العسكر حتى صرت وحدي ثم وردت الدابة ماء كان في الطريق وحمر ولم يمكنه أن يسير خطوة واحدة فخفت أن يدركني من يأسرني فنزلت عنها أمشى وفى عنقي سيف بجمائل، والمقرعة في يدي فسرت فراسخ حتى صعدت جبل سنجار، وكنت أحتاج أن أمشى فيه نحو الفرسخ ثم أنزل إلى سنجار فاحتبسني الليل واستنفذ المشي جلدي فخفت الوحوش في الجبل فطلبت موضعا أسكن فيه ليلتي فلم أجد، ورأيت جبابا منقورة في الجبل فطلبت أقربها قعرا ورميت فيه بحجر فظننت أن قعره قامة أو نحوها فرميت بنفسي فيه، وكان البرد شديدا. فنمت ليلتي لا أعقل من التعب والجوع فلما كان من الغد انتبهت وعندي أن الجب محفور كالآبار، وانى أضع رجلاي في جوانبه فأتسلق وأطلع فتأملت فإذا هو محفور كالتنور رأسه ضيق وأسفله شديد السعة، وجوانبه منقوشة فقمت في سوط الجب فإذا هو أعلى من قامتي فتحيرت في أمرى ولم أدر كيف السبيل إلى الصعود، وطلعت الشمس وأضاء الجب، وإذا فيه أفعى مدور كالطبق بين حجرين، وقد سدر من شدة البرد فليس ينتشر ولم