فما استوفى كلامه حتى رفع الستر ودخل الاقشين فلقيه بأكبر البر والاكرام وأجلسه بقربه، وقال في هذا الوقت الحار يا أبا الحسن؟ فقال يا أمير المؤمنين رجل عرفت ما نالني منه وأنه طلب دمى، وقد أطلقت يدي عليه ويجيئني هذا ويقول إنك بعثت به إلى تأمرني أن لا أحدث فيه حدثا، وإني إن قتلته قتلت به فأظهر الغضب وقال: نعم أنا أرسلته إليك فلا تحدث على القاسم بن علي حدثا، فنهض الاقشين مغضبا يدمدم واتبعته لأتلافاه فصاح بي المعتصم ارجع يا أبا عبد الله فرجعت. وقلت يا أمير المؤمنين إنه باق مما جرى كلاما قد قطعتني بكلامك عن تكملته وهي بمعنى الرسالة قال قد فهمتها والقاسم بن عيسى يوافيك العشية فاحذر أن تتفوه بشئ مما جرى؟ ومضى الاقشين فأطلق القاسم وخلع عليه فجاءني القاسم من عشيته وما أخبرت بالحديث أحد حتى قتل الاقشين ومات المعتصم.
قال قرأت في بعض كتب الفرس المنقولة إلى العربية أن ملكا من ملوكهم قدم إليه صاحب مائدته عضادة اسفيدباج فسقطت منها نقطة على ذراع الملك فأمر بقتل الرجل فقال الرجل: أعيذ الملك بالله من أن يقتلني ظلما لغير ذنب قصدته. فقال الملك: قتلك واجب ليتعظ بك غيرك فلا يمهل الخدمة فأخذ الرجل العضادة فصبها بأسرها على الملك وقال: أيها الملك تكرهت أن يشيع عنك أنك قتلتني ظلما ففعلت هذا لاستحق القتل، ويزول عنك قبح الأحدوثة بظلم الخدم فشأنك الآن وما تريد. فقال الملك: ما أحصن الاجل قد عفوت عنك * قال أحمد بن أبي داود: وما رأيت رجلا عاين الموت فما اكترث به ولا شغله عما أراده حتى بلغه وخلصه الله من القتل إلا تميم ابن جميل فانى رأيته بين يدي المعتصم بالله، وقد بسط له النطع وانتضى السيف، وكان رجلا جسيما وسيما فأحب المعتصم أن يستنطقه لينظر أين منظره من مخبره، فقال له: تكلم. فقال: إما إذا أذن أمير المؤمنين في الكلام فالحمد لله الذي أحسن كل شئ خلقه، وبدأ خلق الانسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. يا أمير المؤمنين: جبر الله