وهم جلوس على بادية فلم أشكك في أنهم لصوص، وأيقنت بالشر وبادرني أحدهم يلطمني، وقال: انزع ثيابك. فطرحت كل ما كان على حتى بقيت بالسراويل. فحلوا الدراهم التي كانت معي، وأعطوا مقبلا شيئا منها وقالوا:
امض فهات بهذا ما نأكله فإنا جياع فطارت روحي فقال لهم الغلام: ما أمض أو تقتلوه، فقلت لهم يا قوم: ما ذنبي حتى تقتلوني؟ قد أخذتم ما معي، ولستم ترثوني إذا قتلتموني، ولا لي حال غير ما أخذتموه فالله الله في. ثم أقبلت أستعطف مقبلا، وهو لا يجيبني ويقول لهم: إنكم إن لم تقتلوه ويفلت دل السلطان عليكم فقتلتم كلكم قال: فوثب إلى أحدهم بسيف مسلول، وسحبني من الموضع الذي كنت فيه إلى البالوعة ليذبحني، وكان بقربى غلام أمرد فعلقت به وقلت: يا فتى ارحمني وأجرني فإن سنك قريب من سنى واستدفع البلاء من الله بخلاصي. فوثب الغلام وطرح نفسه على وقال: والله لا يقتل وأنا حي، وجرد سيفه وقام فقام أستاذه لقيامه وقال: لا يقتل من أجاره غلامي، واختلفوا وصار مع غلامه جماعة فانتزعوني وجعلوني في زاوية من البيت الذي كانوا فيه: ووقفوا بيني وبين أصحابهم وقال لهم رئيسهم. كفوا عن الرجل إلى أن ننظر في أمره، وشتم مقبلا وقال: امض فهات ما نأكله فإنا جياع، وليس يفوتنا قتله. فمضى مقبل وجاءهم بمأكول كثير، وجلسوا يأكلون وترك جماعة منهم الاكل حراسة لي لئلا يغتالني أحدهم إذا تشاغلوا بالاكل فلما أكلوا انفرد بعض من كان يتعصب لي بحراستي وأكل من لم يكن أكل منهم ثم أفضوا إلى الشراب فقال لهم: الآن قد أكلتم فترك هذا يؤدى إلى قتلكم فدعوا الخلاف في أمره واقتلوه. فوثب من يريد قتلى ووثب الغلام ومن معه للمنع عنى، وطال الكلام بينهم وأنا في الزاوية، وقد اجتمع إلى من يمنع قتلى. فصرت بينهم وبين الحائط، إلى أن جرد بعضهم السيوف على بعض فقال لهم رئيسهم: هذا الذي أنتم فيه يؤدى إلى قتلكم والله رأيت رأيا فلا تخالفوه. فقالوا ماذا تأمرنا؟ فقال: اغمدوا السلاح واصطلحوا ونشرب إلى وقت نريد أن نخرج عن هذه الدار ثم نكتفه ونسد فاه، وندعه في الدار وننصرف فإنه لا يتمكن من الخروج وراءنا، والصياح