وأخذنا المال فصححناه وما صليت العصر إلا وسلمنا المال، ولما عرف المهدى الصورة فاستحيا وأفرج عن أبي. وكان ذلك سبب رضاه عنه، وصلاح نيته له، فلما كان بعد شهرين ورد لنا من فارس مال كثير فقال لي أبى:
خذ المال وامض به إلى عمارة واشكره ورده عليه، فحملت المال وجئت به إلى بابه حتى استؤذن لي فدخلت عليه وهو على فرشه فما زادني على ما عاملني به أولا ولا نقصني، فشكرته عن أبي ودعوت له وعرفته إحضاري المال وسألته الامر بقبضه. فقال لي: أكنت قسطارا لأبيك أقرضه وأرتجع منه؟
فقلت لا يا سيدي بل أحييته وحقنت دمه ومننت عليه وما أحب أن ينقمك، فلما حصل له المال أنفذه فقال له أما إذا رده أبوك فقد وهبته لك خذه وانصرف. فقمت وقد أعطاني ما لم يعطه أحدا فجئت إلى أبى فعرفته ما جرى. فقال: لا والله يا بنى ما تطيب لك نفسي به كله، ولكن تأخذ منه مائتي ألف درهم فأعطانيها. فهي أول مالي وأصل نعمتي فتعلمت من عمارة الكرم والكبر معا فصار لي طبعا.
وحكى المعروف بالهايم الرواية فيما حدثني به. قال: كنت أسير من الشام أريد العراق فلما انتهيت إلى قرية في بعض الطريق لقيني خرساني معه مخلاة فقال أين تريد؟ قلت: بغداد. فقال: أنا رفيقك فسرنا إلى قرية خراب على شاطئ الفرات في برية الشام فرأينا على باب القرية رجلا أسود منكر الخلق عريانا لا يتوارى بشئ البتة فعدا مجفلا عنا، فدخلنا القرية فجلسنا في دار خراب على شاطئ الفرات وأخرجنا زادا كان معنا فجعلنا نأكل، فإذا الحجارة تجيئنا متداركة حتى خفنا أن نهلك منها، وما تمالكنا أن نقوم إلا بجهد وتأملنا أمره فرأينا الأسود يرجمنا فطلبناه، وطلبنا فلما دخلنا وأم الأسود أن يقبض على ففزعت منه فقبض على الخرساني وقبض عليه الآخر وجعلا يتعاركان فانكب الأسود على كتف الخرساني فعضه فصاح الخراساني يا بغدادي أدركني فقد قتلني. فدنوت من خلف الأسود وتعلقت بخصيتيه ولكمتهما لكمات شديدة فخر مغشيا عليه، وقام الخرساني فجلس على