خرجوا عنى لم ألبث إلا يسيرا، فإذا بأم جيداء قد دخلت على تكلمني وتزبرني. فلزمت الصمت والبكاء فقالت يا بنيتي: اتق الله وأطيعي زوجك أما الأشتر فلا سبيل لك إليه، وأنا أبعث إليك أختك الليلة. ثم مضت وبعثت إلى الجارية فجعلت تكلمني وتدعو على من ضربني وتبكى وأنا ساكت ثم اضطجعت إلى جنبي فشددت يدي على فمها وقلت: يا جارية ان أختك مع الأشتر، وقد قطع ظهري بسببها، وأنت أولى بسترها منى وإن تكلمت بكلمة فضحتيها، وأنا لست أبالي. فاهتزت مثل القضيب فزعا ثم ضحكت. وباتت معي أظرف الناس، ولم نزل نتحدث حتى برق الفجر. ثم خرجت وجئت إلى أصحابي فقالت جيداء: ما الخبر؟ فقلت: سلى أختك عنه فلعمري أنها عالمة به، ودفعت إليها ثيابها وأريتها ظهري. فبكت وجزعت ومضت مسرعة وجعل الأشتر يبكى وأنا أحدثه وارتحلنا.
عن بعضهم قال: حضرت في دعوة عند صديق لي من البزازين، كان مشهورا. فقدم إليه في جملة طعامه داجيراجه فلم يأكلها فامتنعنا من أكلها.
فقال: أحب أن تأكلوا وتعفوني من أكلها. فلم ندعه حتى أكل فلما غسلنا أيدينا انفرد يغسل يديه، ووقف غلام يعد عليه حتى قال: لقد غسلت يدك أربعين مرة. فقطع الغسل فقلنا: ما سبب هذا؟ فامتنع فألححنا عليه فقال:
مات أبى وسني نحو العشرين سنة وخلف على حالا ضعيفة، وأوصاني قبل موته بقضاء ديونه، وملازمة السوق وأن أكون أول داخل إليها وآخر من يخرج منها فرأيت في ذلك منافع كثيرة وبينما أنا جالس ذات يوم، ولم يتكامل السوق إذ بامرأة راكبة حمارا على كفله منديل ديبقي، وخادم يمسك العنان فنزلت عندي فقمت إليها ولزمتها وسألتها عن حاجتها فطلبت شيئا من الثياب ذكرته، فسمعت منها أحسن نغمة، ورأيت وجها لم أر أحسن منه قط.
فذهب على أمرى وهمت بها في الحال. فقلت: تصبري حتى يتكامل السوق وآخذ لك ما تريدين. فأجابت، وأخذت تحادثني، وأنا كدت أن أموت عشقا وخرج الناس فأخذت لها ما أرادت فجمعته وركبت، ولم تخاطبني في ثمنه