فضحك مصعب وقال: أرى فيك للصنيعة موضعا، وجعله في ندمائه وأحسن صلته.
وقيل للفضل بن يحيى قد أفسدت جودك بكبرك. فقال: والله مالي حيلة في النزوع عنه وما كان طبعي هكذا، إلا أنني حملت نفسي عليه لما رأيت من عمارة بن حمزة فتشبهت به فصار طبعا لا أقدر على الاقلاع عنه، وذلك أن أبى كان يضمن فارس من المهدى فحملت عليه ألف ألف درهم وكان المهدى قد ساء رأيه فيه فحرك ذلك ما كان في نفسه وأمر أبا عون أن يأخذه فيطالبه بالمال، فإن غربت الشمس عن يومه ذلك ولم يسلم جميعه أو يبقى درهم منه أتاه برأسه من غير أن يستأذنه أو يراجعه. قال: فأخذه أبو عون فاستدعاني إليه وقال يا بنى قد ترى ما نحن فيه فلا تدعوا في منازلكم شيئا إلا أحضرتموه، فجمعنا كل ما في منازلنا من صامت وحلى فلم يبلغ عشر المال. فقال لي يا بنى:
إن كانت لنا حيلة في الحياة فهي من قبل عمارة بن حمزة وإلا فأنا مقتول العشية فألقه واذكر له الصورة فمضيت إلى بابه فاستؤذن لي عليه فدخلت عليه وهو مضطجع قد غاص في فرش له ما كاد يبين غير وجهه، فوالله فوالله ما تحرك. وسلمت فأومأ إلى بالجلوس فجلست بعيدا منه فلم يعرني الطرف فانكسرت نفسي وقلت: أي خير عند من هذا لقاؤه وعنوان أمره، فأمسكت لا أتكلم منكرا في الكلام والقيام. فقال: أذكر حاجتك إن كنت أتيت بها. قال فقصصت عليه القصة وعرفته بما جثت بقصده وما نحن فيه من المضايقة والتشديد. قال: فوالله ما أجابني بأكثر من أن قال امض فإن الله تعالى يكفيك. فقمت متحيرا أجر رجلي لا أشك في أنه قد آيسني من حاجتي وقلت إن عدت إلى أبى بهذا الجواب مات غما قبل ضرب العنق، فتوقفت ساعة لا أدرى ما أصنع، ثم قلت على كل حال لابد من أن أمضى وأؤانسه فإن كان له حيلة أخرى شرعنا فيها قبل أن ينصرم النهار. قال:
فجئته فوجدت على الباب بغالا محملة فقلت لمن معها من أنتم ومن بعث بكم؟
فقالوا: أنفذنا عمارة إليكم بمال على هذه البغال فدخلت وأخبرت أبى بما جرى