انغلقت عليه وفسدت وقصر مالها مع جلالة ارتفاعها وقد أكلها العمال وانه في طلب من يكفيه أمرها ويحفظ مالها وليس يعرف من يرضى كفاءته. فقلت لو أردت الكفاءة وجدتهم. هذا سليمان بن سهل وهو من الأكفاء ولا يشك فيه فلم عطلته وأخفته فقال: وكيف لي به؟ فقلت: تؤمنه وتزيل ما عليه من المطالبة وتقلده فلسطين فإنه يكفيك أمرها ويوفر عليك مالها ويحمله إليك وأنا أبعث به إليك فقال: ابعث به فهو آمن، فصر إليه فإنه لا يتعرض لك إلا بما تحب. قال فبكرت إليه فإذا هو في ديوانه فلما دخلت صحن الدار رأيت العمال على أكتافهم الحجارة والمقارع تأخذهم فهالني ما رأيت فلما وصلت إليه سلمت عليه وقلت: انى كنت خادم أبى الفضل أعنى أباه فرجا الرجحي واحد صنائعه فقال لولا ما أتيت به من هذه الحرمة لكنت أحد هؤلاء الذين تراهم، ثم رفع مصلاه وأخرج الكتب بولاية فلسطين وأمرني بكتمان أمرى واعداد السير فأخذت الكتب وأشخصت إلى هناك فأرضيته وقضيت حق نفسي.
عن الحكم بن عتبة أن حارثة بن بدر الغداني كان يسعى في الأرض.
فسادا فهدر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه دمه فهرب واستجار بأشراف الناس فلم يجره أحد. فقيل له عليك بسعيد بن قيس الهمداني فلعله أن يجيرك فطلب سعيدا فلم يجده فجلس في طلبه حتى جاء فأخذ بلجام دابته وقال:
أجرني أجارك الله. فقال له ما لك قال: هدر أمير المؤمنين دمى قال وفيم قال:
سعيت في الأرض فسادا قال: ومن أنت؟ قال: أنا حارثة بن بدر الغداني قال: أقم وانصرف إلى علي رضي الله عنه فوجده قائما على المنبر يخطب فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا؟ قال: ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض قال: يا أمير المؤمنين، الا من تاب؟ قال:
الا من تاب، قال: فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا وقد أجرته. قال أنت رجل من المسلمين وقد أجرناه. ثم قال رضي الله عنه وهو على المنبر: أيها الناس