لقد نصحنا لك ولكن أبيت إلا ما أنت أهله ودفعت ما خفت بما رجوت، فقال المأمون: قد مات حقدي بحيات عذرك، وقد عفوت عنك وأعظم من عفوي عنك أنى لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين * ووجدت في بعض الكتب أنه لما حصل إبراهيم بن المهدى في قبضة المأمون لم يشكك هو وغيره أنه مقتول فأطال حبسه في مطمورة بأسوأ حال وأقبحها. قال إبراهيم: فآيست من نفسي ووطنتها على القتل وتعزيت عن الحياة حتى صرت أتمنى القتل للراحة من العذاب وما أؤمله في الآخرة من حصول الثواب فبينما أنا كذلك إذ دخل على أحمد بن أبي خالد مبادرا فقال: أعهد فقد أمرني أمير المؤمنين بضرب عنقك. فقلت أعطني دواتا وقرطاسا فكتبت وصية ذكرت فيها كلما احتجت إليه وأسندتها إلى المأمون ونهضت فتطوعت ركعات ومضى أحمد وفرغت من الصلاة وجلست أتوقع القتل فعاد إلى أحمد بعد ساعتين وقال أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول أنا أحمد الله جلت عظمته الذي وفقني لصلة رحمك والصلح وقد أمنك ورد عليك نعمك وجميع ضياعك وملكك فانصرف إلى دارك. قال: فبدأت أدعى للمأمون فغلبني البكاء والانتحاب وهو يطالبني بالجواب وأنا غير متمكن منه. فقال لي أحمد: لقد رأيت منك عجبا أخبرك انى أمرت بضرب رقبتك فلم تجزع، ولم تبك ثم أخبرتك بتفضل أمير المؤمنين عليك وصفحه عنك فلم تتمالك من البكاء؟ فقال: اما السكوت عن الخبر الأول فلأني لم أتوهم منذ ظفر بي ان أسلم من القتل، فلما ورد على ما لم أشك فيه لم اجزع ولم أبك واما بكائي عند الخبر الثاني فوالله شأنه ما هو لسرور بالحياة، ولا لرجوع النعمة ولا بكائي إلا لما كان منى في قطيعة رحم من بعد استحقاقي منه للقتل يخولني مثل هذا الصلح الذي لم يسمع به في جاهلية ولا إسلام. فقد استحق أمير المؤمنين الثواب من الله تعالى في صلة رحمه وإظهاره إحسانه عند إساءتي وحلمه عند جهلي، وفضله عند نقضي وجوابي هو ما شهدت وسمعت. فرجع إلى المأمون وأخبره ثم عاد إلى بالمال والخلع ومركوب فانصرفت به إلى داري ونعمتي * وقال على ابن هشام بن قبراط الكاتب ببغداد بإسناد ذكره يحدث عن أحمد بن يوسف الكاتب قال كنت اشرب مع المأمون وأنادمه وانا أتقلب له في ديوان المشرق وديوان الرسائل قبل وزارتي له وكان كثيرا ما أنادمه على
(٢٥٤)