وذكر القاضي أبو الحسين في كتابه قال: حدثني أبي عن أبي قلابة المحدث قال: ضقت ضيقة شديدة فأصبحت ذات يوم والمطر يجئ كأفواه القرب والأولاد يتضورون جوعا وما عندي حبة واحدة أتقوتها فبقيت متحيرا في أمري فخرجت فجلست في دهليز وفتحت بابى وجعلت أفكر في أمري ونفسي تكاد تخرج غماما أنا فيه وليس يسلك الطريق أحد لشدة المطر، فإذا بامرأة على حمار فاره وخادم أسود آخذ بلجام الحمار، والحمار يخوض في الوحل فلما صار بحذائي سلم على وقال: أين منزل فلان؟ فقلت: هذا منزله وأنا هو.
فسألتني المرأة عن مسألة فأفتيتها بها فصادف ذلك ما أحبت فأخرجت من حفها خريطة ودفعت إلى منها ثلاثين دينارا، ثم قالت يا أبا قلابة: سبحان خالقك لقد تنوق في قبح وجهك وانصرفت * وحدثني أبو القاسم التنوخي في المذاكرة بإسناد ذهب عن حفظي قال: كان أحمد بن أبي خالد بغيضا قبيح التهجم، وكان مع ذلك حرا، وكان يلزمه رجل متعطل من طلاب التصرف يقال له ابن صالح الأضخم من وجوه الكتاب فحدث قال: لما آلت بي العطلة في أيام المأمون والوزير إذ ذاك أحمد بن أبي خالد، وضاقت حالي حتى خشيت التكشف فبكرت إلى أحمد بن أبي خالد مغلسا لأكلمه في أمري فرأيت بابه قد فتح، وخرج وبين يديه بريد المأمون، فلما نظرني أنكر بكوري وعبس وجهه وقال:
في الدنيا أحد بكر هذا البكور ليشغلنا عن أمرنا؟. فلم تصبر نفسي أن قلت: ليس العجب منك أصلحك الله فيما استقبلتني به، وإنما العجب منى كيف أسهرت نفسي ليلتي وأسهرت من في داري تأميلا لك وتوقعا للصبح لأصير إليك وأبثك أمري فأستعين بك على إصلاح حالي، وحلفت يمينا غليظة أن وقفت ببابك أو سألتك حاجة حتى تصير إلى معتذرا مما كلمتني به. وانصرفت مغموما مكروبا بما لقيني به متذمما على ما فرط منى غير شاك في العطب إذ كنت لا أقدر على الحنث، وكان ابن أبي خالد لا يلتفت إلى تبرئة قسمي فإني كذلك وقد طلعت الشمس إذ دخل بعض غلماني وقال: أحمد بن أبي خالد مقبل في الشارع، ثم دخل آخر فقال: قد دخل دارنا، ثم آخر فقال قد وقف على الباب، ثم تبادر الغلمان يدخلون الدهليز فخرجت مستقبلا له. فلما استقر في مجلسه من داري