كان بها فانا نرضى به. قال: فكشفها فإذا فيها وفى ذراعه ضربات بعضها فيه بقة أدوية يابسة وهي على أقبح ما يكون من المنظر فأكل معنا غير محتشم، وقدم الشراب فشربنا فلما أخذ منا الشراب سألته عن سبب تلك الضربات فقال: هو أمر طريف أخاف أن لا أصدق فيه ولا يجمل بي الحديث به.
فقلت: لابد أن تتفضل. قال: كنت عام أول بقريب من هذا الوقت قائما بحضرة الوزير فسلم إلى كتابا إلى عامل دمشق ومنشورا وأمرني بالتوجه إليه وإزهاقه بالمطالبة بحمل المال، ورسم أن أخرج على طريق السماوة لا تعجل وكتب إلى عامل هيت بإنفاذي مع خفارة فلما حصلت هيت استدعا العامل جماعة من أحياء العرب وضمني إليهم وأعطاهم مالا على ذلك وأشهد عليهم بتسلمي واحتاط في أمرى، وكانت هناك قافلة تريد الخروج منذ مدة وتتوقى البرية فآنسوا وسألوني أن آخذ لنفسي مالا وللاعراب مالا، وأوصلهم في الخفارة ويسيرون معي ففعلت ذلك. فصرنا قافلة عظيمة وكان معي من غلماني من يحمل السلاح وهم يقربون من العشرين غلاما، وفى حمالي القافلة، والتجار يحملون السلاح أيضا فرحلنا عن هيت، ودخلنا في البرية ثلاثة أيام بلياليها فبينما نحن نسير إذ لاحت لنا خيل فقلنا للأعراب ما هذه الخيل؟ فتسرع منهم قوم ثم عادوا كالمنهزمين وقالوا: قوم من بنى فلان بيننا وبينهم دم، ونحن طلبتهم ولا ثبات لنا معهم ولا يمكننا خفارتكم منهم وركضوا متفرقين، وبقينا نحن متحيرين ولم نشك أنهم كانوا بعض أهلهم وإن ذلك فعل على مواطأة فجمعت القافلة، وطفت بها أنا وغلماني ومن كان منهم يحمل السلاح متساندين كالدائرة وقلت لمن كان معي: لو كان هؤلاء يأخذون أموالنا ويدعون جمالنا لننجوا عليها كان هذا أسهل، ولكن الجمال والدواب أول ما تؤخذ وتتلف في البرية ضعفا وعطشا فاعملوا على أن نقاتل فان هزمناهم سلمنا وإن قتلناهم كان أسهل. فقالوا: نفعل. وقدم القوم فقتلنا لهم عدة خيل، وجرحنا منهم غير جريح وما ظفروا منا بعود فباتوا قريبا منا حنقين علينا، وتفرق الناس للاكل والصلاة واجتهدت بهم أن يجتمعوا، ويبيتوا تحت السلاح فخالفوني، وكانوا قد آمنوا ونام بعضهم فغشينا الخيل فلم يكن عندنا ممانعة