قال له: أتعرف هذا الرجل؟ قال يا أمير المؤمنين هو بعض صنائع البرامكة قال: كم ألزمته في ضيعته؟ قال: كذا. وكذا. فقال له: رد إليه كل ما أخذته منه في مدته، وأفرغهما له ليكونا له ولعقبه من بعده، قال: فعلا نحيب الرجل فلما رأى المأمون كثرة بكائه قال له يا هذا: قد أحسنا إليك فما يبكيك؟
قال يا أمير المؤمنين: وهذا أيضا من صنيع البرامكة لو لم آت خراباتهم فأبكيهم وأندبهم حتى اتصل خبري إلى أمير المؤمنين ففعل بي ما فعل من أين كنت أصل إلى أمير المؤمنين؟: قال إبراهيم بن ميمون: فرأيت المأمون وقد دمعت عيناه وظهر عليه حزنه، وقال: لعمري هذا من صنائع البرامكة فعليهم فابك، وإياهم فاشكر، ولهم فأوف، ولاحسانهم فاذكر.
بلغني أنه كان رجل من أهل الكوفة من ذوي الأدب والظرف يعاشر الناس وتأتيه ألطافهم فيعيش بها متسعا ثم انقلب الدهر عليه فأمسك الناس عنه وجفوه، حتى قعد في بيته والتجأ إلى عياله وشاركهن في فضل مغازلهن فاستتم ذلك عليه، وناسيه الناس ولزمه الفقر. قال: فبينما أنا ذات ليلة في منزلي على أسوء حال، وإذا بوقع حافر دابة ورجل يدق الباب فكلمته من ورائه وقلت له: ما حاجتك؟ قال إن أخا لك لا أسميه يقرأ عليك السلام ويقول: إني مستتر وليس آنس بكل أحد فان رأيت أن تصير إلى لنتحدث ليلتنا قلت: لعل سعدى يكون قد تحرك، ثم لم أجد شيئا ألبسه فاشتملت بإزار امرأتي وخرجت فقدم إلى فرسا مجنونا كان معه فركبته إلى أن أدخلني إلى فتى أجمل الناس فقام إلى وعانقني، ودعا بالعشاء. فأكلنا وبالشراب فشربنا، وأخذنا في الحديث فما خضت في شئ إلا وسبقني إليه حتى إذا صار السحر قال: إن رأيت أن لا تسألني عن شئ من أمري أو تجعل هذه الزيارة بيني وبينك إذا أرسلت إليك. فقال: وهنا دارهم تقبلها ولا تردها، وأخرج إلى جرابا مملوءا دراهم ودنانير فدخلتني أريحية الشراب فقلت: اخترتني على الناس لسرك فآخذ على ذلك جزاء لا حاجة لي بالمال فجهدني فلم آخذه. وقدم إلى الفرس فركبت وعدت إلى منزلي فدخلته مخفقا وعيالي