ففعل فلما رآها جعفر أعجب بها قبل أن يستنطقها ثم استنطقها فأخذت بمجامع قلبه فقال لمولاها: قل ما تشاء فقال الشيخ: لست أحدث أمرا حتى استأذنها ولولا الضر الذي نحن فيه ما عرضتها ولكن حالي ما يشاهده الوزير ووراء ذلك دين كثير قد قدحني ومن أجله فارقت وطنى وعرضت على البيع ثمرة قلبي فقال جعفر فما مقدار ما في نفسك إن أردت بيعها قال ثلاثون ألف دينار قال جعفر: فهي لك ان بعتنيها فلما سمعت ذلك استعبرت فلما رأى الشيخ استعبارها أقبل على جعفر ومن حضر معه فقال أشهدكم أنى قد أعتقتها وجعلت صداقها والله لا ملكتها أحدا أبدا فغضب جعفر وأقبل من حضر على الشيخ يؤنبونه ويستجهلونه ويقولون: ضيعت هذا المال الجليل وعجلت وحمقت فقال الشيخ: النفس أولى أن يبقى عليها من المال والرزاق الله عز وجل وعاد جعفر إلى أبيه فأخبره بما كان من الرجل والجارية فقال أبوه له: فما صنعت بهما قال تركنهما وانصرفت قال: ويحك ما أنفت أن تنصرف عن متحابين مثلهما فقيرين لا نجبر حالهما أرضيت أن يكون الكوفي أسمح منك ودعا بغلام فحمل معه إلى الشيخ ثلاثين ألف دينار على بغل فلما وصل المال إلى الشيخ أخذه وحمد الله عز وجل وعاد بالجارية والمال إلى منزله بالكوفة.
وجدت في بعض كتبي أن عمرو بن شيبة قال: حدثني أبو غسان قال:
أخبرني بعض أصحابنا أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما اشترى جارية من مولدات أهل مكة وكان يتعشقها غلام من أهلها فقدم في أثرها المدينة فنزل قريبا من منزل عبد الله بن جعفر ثم جعل يلطف عبد الله بظرائف مكة حتى عرفه وجعلت الجارية تراسله فأدخلته ليلة في اصطبل دواب عبد الله بن جعفر فعبر عليه السايس فأعلم عبد الله بن جعفر فأتى به فقال: مالك قبحك الله أبعد تحرمك بنا تتعرض لحرمنا قال: لا انك لما ابتعت الجارية كنت لها محبا وكانت تجدني مثل ذلك قال: فدعا الجارية فسألها فجاءت بمثل قصة الفتى فقال: خذها فهي لك. فلما كان بعد ذلك بقريب عشق عبد السلام ابن أبي سليمان مولى أسلم جارية لآل طلحة ابن عبد الله بن معمر التميمي يقال