فجاء الثاني وقال له يا هذا: أفسدت على أمرى وأبطلت عملي وأنا هربت من مصر لأجل المنافسة فليس لك أن تقيم معي ههنا فقال له الثاني: سواء العاكف فيه والباد ولا أبرح. ههنا فقال الأول بيني وبينك شيخنا ابن العجمي الكاتب رئيس البغائين بمصر وجذبه معه إلى مصر واحتكما إليه فحكم بن العجمي للأول ومنع الثاني من المقام في الناحية فكيف يمكن للناظري أيد الله مولانا أن يكتفى بثلاثة آلاف درهم وقد أمرت له بها في بلد هذا قدر الناكة فيه وكثرة البغائين لو كان مقيما فكيف وقد أنعمت عليه بالاذن في المسير ويحتاج إلى بغال يركبها في الطريق بأجرة ونفقة وديون عليه يقضيها. فضحك ضحكا شديدا من حكاية البغائين وحكم ابن العجمي بينهما وقال اجعلوها خمسة آلاف درهم فقلت له: أنا والأسمر فترد إلى الرجل أطال الله بقاء مولانا ضيعته. فقال: لقد أطلتم على في أمر هذا الصانع الفاعل فأطلقوا له عن ضيعته بأسرها ووقعوا بذلك إلى الديوان وعن مستغله وأخلوا له عن داره وان تفرش له أحسن من الفرش الذي ذهب له لما سخط عليه قال فأكبت الجماعة تقبل يديه ورجليه وقلت: أطال الله بقاء مولانا الأمير ما سمع بهذا الكرم قط مع سوء رأيك في الرجل وسوء حديثه، فما على الأرض بغاء أبرك على صاحبه من هذا قال:
فضحك ونفذت الكتب والتوقيعات بما رسمه فلما كان بعد مدة وأنا بحلب عاد الرجل إلى بلده ونعمته.
عن أبي عمرو بن العلاء قال خرجت هاربا من الحجاج إلى مكة فبينما أنا أطوف بالبيت إذا أعرابي ينشد.
ربما تجزع النفوس من الامر * لها فرجة كحل العقال فقلت: مه. قال: مات الحجاج. قال: فلا أدرى بأي القولين كنت أفرح بقوله فرجة بفتح الفاء أو بموت الحجاج ووجدت هذا الخبر في بعض الكتب وفيه أن أبا عمرو وسمع الاعرابي ينشد.
يا قليل العزاء في الأهوال * وكثير الهموم والأوجال صبر النفس عند كل مهم * إن في الصبر حيلة المحتال