فقصدوني فمانعتهم عن نفسي بالسيف فلم أطلقهم فضربوني بالسيوف. فقلت لشيخ رأيته كالرئيس لهم، إلى الزمام على ما معي حتى أصدقك وأنفعك نفعا كثيرا. فقال: أصدقني حتى أعطيك الزمام فحدثته بالحديث فأخذوا المال وساروا بي معهم حتى وقفوا على العدلين فاحتملوها وضرب الشيخ يده في المال فحثى منه ثلاث حثوات وأعطاها لي فأخذتها، وقلت إن هذا لا ينفعني إن لم تبلغوني مأمني فأناخ جملا وحملني عليه وسار بي سيرا حثيثا حتى أتى بي القافلة على بعد ثم أنزلني، وقال الحق رفقتك، فما عليك من أحد بأس.
فمشيت حتى لحقت القافلة، وقد خبأت تلك الدنانير في سراويلي فعرفتهم بما جرى وبما أخذته البادية وكتمتهم ما أعطونيه ودخلنا طبرية، فشكوا إلى أميرها أبى عثمان مولى بنى عقيل. فأسرى إلى الاعراب فارتجع منهم أكثر المال والثياب ورده إلى صاحبه وكنت أنا لما دخلت طبرية فارقتهم ودخلت مصر ولحقوني وبلغني ما رد عليهم. فقلت لصاحب المال: قد بذلت مهجتي وأفلت من الأسد ومن الموت مرارا ومن الاعراب حتى وصل إليك بعض مالك فلا أقل من أن توصلني إلى بعض ما كنت قد وعدتني به فأعطاني مائتي دينار، فأضفتها إلى ما أعطانيه الاعراب فإذا الجميع ستمائة دينار مع السلامة من تلك الشدائد.
وجدت أيضا أن رجلا وفد على هشام فقال يا أمير المؤمنين: لقد رأيت في طريقي عجبا. فقال وما هو: قال. بينما أسير بين جبلى طي إذ نظرت فإذا عن يميني أسد كالبغل وعن يسارى ثعبان كالحبل وهما مقبلان نحوى ففزعت منهما ورفعت رأسي إلى السماء وقلت شعرا:
يا دافع المكروه قد تراهما * فنجني يا رب من أذاهما ومن أذى من كادنى سواهما * لا تجعلني شلوى من قراهما قال: فقربا منى فشماني حتى لم أشك في الموت ثم صدرا عنى فنجوت ولله الحمد.