ولحقت بالبادية وجاورت في بنى نضر بن معاوية ثم في بنى كلاب ثم بنى فزارة ثم في نبي سليم ثم تنقلت في بوادي قيس أجاور فيهم حتى ضقت ذرعا بالاستخفاء فأزمعت القدوم على أبى جعفر والاعتراف، له وقدمت البصرة ونزلت بها ثم أرسلت إلى عمرو بن أبي العلاء وكان لي ودا فشاورته في الامر الذي أزمعته فلم يقبل رأيي وقال والله ليقتلنك فلم ألتفت إليه وشخصت إلى بغداد فنزلت خانا وليس بالمدينة أحد يركب خلا المهدى، ثم قلت للغلمان أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين فأمهلوا ثلاثا فإن جئتكم فيها وإلا فانصرفوا ودخلت المدينة وجئت إلى دار الربيع والناس ينتظرونه فلم ألبث أن خرج وهو يمشى وقام الناس إليه وقمت معهم فسلمت عليه فرد على السلام وقال:
من أنت؟ قلت قطن بن معاوية قال: انظر ما تقول قلت: أنا هو. قال: فاقبل على من معه وقال: احتفظوا بهذا فلما حرست لحقني الندم وذكرت رأى أبى عمرو فتأسفت ودخل الربيع فلم يطل حتى خرج خصى فأخذ بيدي وأدخلني قصر الذهب ثم أتى بيتا حصينا فأدخلنيه وأغلق على وانطلق فاشتدت ندامتي وأيقنت بالبلاء وخلوت بنفسي ألومها فلما كان الظهر أتاني الخصي بماء فتوضأت وصليت وأتاني بطعام فأخبرته أنى صائم، فلما كان المغرب أتاني بماء فتوضأت وصليت وأرخى على الليل سدوله فأنسيت الحياة وسمعت أبواب المدينة تغلق فامتنع عنى النوم فلما ذهب صدر من الليل أتاني الخصي ففتح عنى ومضى بي فأدخلني صحن دار ثم أتاني من وراء ستور مسدولة وأخذني وأدخلني محلا فإذا أبو جعفر وحده والربيع قائم على حاله ناحية فأكب أبو جعفر هنيهة مطرقا ثم رفع رأسه فقال: هيه فقلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن بن معاوية فقال: والله جهدت عليك جهدي حتى من الله على بك. فقلت يا أمير المؤمنين لقد عصيت أمرك وواليت عدوك وخرجت على أن أسلبك ملكك، فإن عفوت فأنت أهل لذلك وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني قال:
فسكت هنيهة ثم قال: هيه فأعدت مقالتي فسكت ثم قال: إن أمير المؤمنين قد عفا عنك فقلت: يا أمير المؤمنين إني أمر من ورائك فلا أصل بعدها إليك، وضياعي ودوري مقبوضة فإن رأى أمير المؤمنين أن يردها على قال: