علينا إلى أن نصبح من غد فنمر على بلاد ولا يجرح بعضكم بعضا ولا تنصرف كلمتكم، فقالوا هذا صواب وجلسوا يشربون وجاء الغلام ليشرب معهم.
فقلت له: الله الله في فتمم ما قد عملت ولا تشرب معهم وتحرسني لئلا يثب على أحد منهم على غفلة فيضربني ضربة يكون فيها تلف نفسي ثم لا تتمكن أنت من ردها ولا تنفعني أن تقتل قاتلي فرحمني وقال افعل ثم قال لأستاذه أحب أن تترك شربك اليوم وتفعل كما أفعل فجاءا فجلسا قدامي وأنا في الزاوية أتوقع الموت، ساعة فساعة. إلى أن حلت العتمة وقام القوم، فتحزموا ولبسوا ثيابهم وخرجوا وبقى الغلام وأستاذه فقالا لي يا فتى قد علمت أنا خلصنا دمك فلا تكافئنا بقبح وهو ذا نخرج ولا يحسن أن نكتفك واحذر أن تصيح فأخذت أقبل أياديهما وأرجلهما وأقول أنتما أحييتماني فكيف أكافئكما بالقبيح فقالا قم معنا فقمت ففتشا الدار حتى علما أنه لم يختلف فيها من يريد قتلى ثم قالا لي يا هذا. قد أمنت فإذا خرجنا فاستوثق من الباب ونم وراءه فلا يكون إلا خيرا، ثم خرجا، فاستوثقت من غلق الباب.
ثم جزعت جزعا، ولم أشكك في أنه يخرج من تحت الأرض منهم من يقتلني، وزاد على الجزع، وأقبلت أمشى في الدار وأدعوا وأسبح إلى أن كدت أتلف، وآنست باستمرار الوقت على السلامة، فحملتني عيني ونمت، فلم أحس إلا بالشمس وحرارتها على الباب. فقمت وخرجت أمشى عريانا بسراويل، إلى أن حصلت في الموضع الذي كنت أسكنه، وما حدثت أحدا بهذا الحديث مدة لبقية الفزع. ثم بعد انقضاء سنة أو قريب منها، كنت يوما عند صاحب الشرطة بنصيبين لصداقة كانت بينه وبين أبى، فلم ألبث أن حضر من عرفه عن عثور الطوف على جماعة من اللصوص بقرية سماها من قرى نصيبين، وقبضه على سبعة نفر منهم، وفوت الباقين، فأمر باحضارهم فوقع بصرى منهم على ذلك الغلام الذي أجارني ذلك اليوم، وعلى أستاذه ثم على مقبل، فأخذتني رعدة تبينت في وأخذ مقبل من بينهم مثل ما أخذني. فقال لي صاحب الشرطة مالك؟ فقلت له: إن حديثي لطويل. ولعل الله أراد بحضوري هذا المجلس سعادة نفر وشقاوة نفر.