فقمت وتوهمني أريد الانصراف فتحضر لي. فقلت: لست أريد الانصراف وإنما مثلت بين يديك طالبا راغبا ضارعا سائلا مستوهبا هذا الرجل منك.
فكان جوابه أغلط فتحيرت. فقلت: انكب على رأسه فأقبله فدخلني من ذلك أنفة شديدة وقلت: أقبل رأس هذا النذل لا يكون هذا أبدا ثم راجعتني الشفقة على أبى دلف فقلبت رأسه وتضرعت فلم يجبني، فأخذ في ما قدم وما حدث وعدت فجلست وقلت يا أبا الحسن: قد طلبت إليك وتضرعت، ووضعت خدى لك ومثلت بين يديك، وقبلت رأسك فشفعني واصرفني شاكرا فهو أجمل بك. قال: لا والله ما عندي غير ما قلته لك. قلت: فأنا رسول أمير المؤمنين إليك وهو يقول لك لا تحدث في القاسم بن عيسى حدثا فإنك إن قتلته قتلت به. قال: يقول أمير المؤمنين هذا لي بعد أن أطلق يدي عليه؟
قلت: نعم. أنا رسوله إليك بما قلته لك فان كنت في الطاعة فاسمع وأطع، وإن كنت قلت لا طاعة فافعل؟! ونفضت يدي في وجهه ونهضت فاضطرب حتى لم يقدر أن يدعو لي بدايتي، وركبت فأعددت السير إلى المعتصم لأخبره الخبر وبما اضطررت إليه من تأدية رسالة باطلة عنه، لأني علمت أنه لم يقل لي ما قاله إلا وهو يحب استبقاء أبى دلف فانتهيت إلى الجوسق في وقت حار والحجاب جميعا نيام والدار خالية فانتهيت إلى ستر الدار التي فيها المعتصم وجلست وقلت إن جاء الاقشين دخلت معه وتكلمت، وإن سأل الوصول أخبرت أمير المؤمنين الخبر كله. فبينما أنا كذلك إذ خرج خادم صغير من وراء الستر، ثم دخل وخرج فقال: ادخل. فدخلت وقلت يا أمير المؤمنين: أما لي حرمة؟ أما لي زمام؟ اما لي حق؟ أما في فضل أمير المؤمنين ونعمته على ما يجب رعايته؟
فقال: مالك يا أبا عبد الله ما قصتك؟ اجلس. اجلس. فقلت يا أمير المؤمنين قلت لي اليوم في القاسم بن عيسى قولا علمت أنك تريد استنقاذه، وحقن دمه فمضيت من فورى إلى أبى الحسن الاقشين، وقصصت عليه القصة، وكلما دخلت معه في الكلام يتغيظ ويفتل سباله حتى إذا أردت أن أعرفه الرسالة التي أديتها عنه قطع كلامي وقال يمضى قاضى وصنيعتي أحمد بن أبي داود إلى جندي فيخضع له، ويقف بين يديه، ويقبل رأسه فلا يشفعه قتلني الله إن لم أقتله يكررها