عن أبي بكر بن قارب الرازي، وكان تلميذ لأبي بكر محمد بن زكريا الطبيب بعد رجوعه من عند أمير خراسان لما استدعاه ليعالجه من علة صعبة قال: اجتزت في طريقي إلى نيسابور ببلد بسطام وهو النصف من طريق نيسابور إلى الري. قال: فاستقبلني رئيسها فأنزلني داره، وخدمني وخدمته وسألني أن أقف على ابن له به استسقاء فأدخلني إلى دار قد أفردها فشاهدت العليل، ولم أطمع في البراءة، فعللت القول بمشهد من العليل ولما انفردت بأبيه سألني أن أصدق. فصدقته وآيسته من حياة ابنه، وقلت له: يمكنه من شهواته فإنه لا يعيش، وخرجت إلى خراسان وعدت بعد اثنى عشر شهرا فاستقبلني الرجل بعد عودي ولما لقيته استحيت منه غاية الحياء، ولم أشك في وفاة ابنه، وإني كنت نعيته إليه وخشيت من ثقله بي فلم أجد عنده ما يدل على ذلك، وكرهت أن أسأله عنه لئلا أجدد عليه حزنا قد نسيه. فقال لي بعد أيام: أتعرف هذا الفتى؟ وأومئ إلى شاب حسن الوجه والسجية، كثير الدم والقوة قائم مع الغلمان يخدمنا. فقلت: لا. فقال: هذا ابني الذي آيستني منه عند مضيك إلى خراسان. فتحيرت وقلت: عرفني سبب برءه.
فقال لي: إنه بعد قيامك من عنده فطن أنه قد آيستني منه فقال لي لست أشك أن هذا الرجل وهو أوحد في الطب قد آيسك منى، والذي أسئلك أن تمنع هؤلاء الغلمان يعنى الغلمان الذين كنت أخدمهم إياه عنى لأنهم آذوني لأني إذا رأيتهم معافين، وأنا لست بينهم يتجدد على قلبي الحزن فأرحني منهم يا أبى وأفرد لي فلانة لخدمتي ففعلت ما سأله، وكانت المرأة داية له، وكان يحمل إليها في كل يوم ما تأكله وله ما يطلب على غير حمية. فلما كان بعد أيام حمل إلى الداية مضيرة لتأكل فتركتها ومضت لشغل لها فذكرت بعد أن عادت أن أبى قد نهاها عن أكل المضيرة فوجدتها قد ذهب كثير منها، وبقى بعضه متغير اللون قالت: فسألت الغلام عن السبب فأخبرني أنه رأى أفعى عظيما قد خرج من موضع ودب إليها وأكل منها ثم قذف فيها فصار لونها كما ترينه فقلت: أنا ميت وهو ذا يلحقني ألم شديد ومتى أظفر بمثل هذا، وجئت فأكلت من الغضارة ما استطعت لأمرت عاجلا وأستريح فلما لم أستطع زيادة