استعبر كل واحد منهما إلى صاحبه باكيا وأنشأت الجارية تقول:
هنيئا لك المال الذي قد أخذته * ولم يبق في كفى غير التذكر أقول لنفسي وهي في غشى كربة * أبكى فقد بان الحبيب وأكثري إذا لم يكن للمرء عندك حيلة * ولم تجد شيئا سوى الصبر فاصبري فاشتد بكاء المولى ثم أنشد يقول:
فلو لا قعود الدهر بي عنك لم يكن * يفرقنا شئ سوى الموت فاعذري أروح بهم في الفؤاد مبرح * أناجي به قلبا طويل التفكر عليك سلام الله لا زيارة بيننا * ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فقال ابن معمر: قد شئت فخذها ولك المال وانصرفا راشدين; فوالله لا كنت سببا لرفقة مجتمعين حدثني أبو الفرج علي بن الحسين المعروف بالأصبهاني املاء من حفظه قال: حدثني الحسين بن يحيى المرقاشي قال: حدثنا حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال لما دخل الرشيد البصرة حاجا فكنت معه فقال لي جعفر بن يحيى يوما يا أبا محمد: قد وصفت لي جارية مغنية حسناء تباع وذكروا أن مولاها ممتنع عن عرضها إلا في داره وقد عزمت أن أركب متخفيا فأعرضها فتساعدني فقلت السمع والطاعة فلما كان في نصف النهار حضر النخاس فاعلم بحضوره فخرج جعفر بعمامة وطيلسان ونعل عربية وأمرني فلبست مثل ذلك وركبنا حمارين قد أسرجا لنا بسروج التجار، وركب النخاس معنا وتخللنا الطريق حتى أتينا دار ذات باب شاهق يدل على نعمة قديمة فقرع النخاس الباب وإذا شاب حسن الوجه عليه أثار ضر باد وعليه قميص ففتح وقال:
أنزلوا يا سادة فدخلنا وإذا بدهليز شعت ودار قوراء خراب منقوضة وإذا في الدهليز بيت كالعامر مغلوق الباب فأخرج لنا الرجل منه قطعة من حصير كبير خلق ففرشها لنا وجلسنا عليها وقال له النخاس أحضر لنا الجارية فقد حضر المشترى فدخل البيت وإذا بجارية قد خرجت في القميص الغليظ الذي