الباب التاسع من شارف الموت بحيوان مهلك رآه * فكفاه الله سبحانه ذلك بلطفه ونجاه عن إبراهيم الخواص قال: ركبت البحر مع جماعة من الصوفية فكسر المركب بنا فنجى منا قوم على خشب من خشب المركب فوقعنا إلى مكان لا ندري أي مكان هو فأقمنا فيه أياما لا نجد ما نقتاته فأحسسنا بالموت فقال بعضنا لبعض تعالوا حتى نجعل الله على أنفسنا أن ندع له شيئا فلعله يرحمنا فيخلصنا من هذه الشدة فقال بعضنا: لا أفرط الدهر. وقال بعضنا:
أصلى كل يوم كذا وكذا ركعة. وقال بعضنا: أدع اللذات، إلى أن قال كل منا شيئا، وأنا ساكت فقالوا لي: قل شيئا. فلم يجئ على لساني إلا أن قلت لا آكل لحم فيل أبدا. فقالوا: الهزل في مثل هذا الحال؟ فقلت:
والله ما تعمدت الهزل، ولكني منذ بدأتم وأنا أعرض على نفسي شيئا أدعه لله عز وجل فلا تطاوعني ولا يخطر على قلبي غير الذي لفظت به وما أجرى هذا على لساني، ولا ألهمه قلبي إلا لأمر. فلما كان بعد ساعة قال بعضنا:
لم لا نطوف في هذه الأرض متفرقين فنطلب قوتا فمن وجد شيئا أنذر به الباقين والموعد هذه الشجرة. قال: فتفرقنا في الطرق فرجع أحدنا بولد فيل صغير فلوح بعضنا لبعض فاجتمعنا فأخذه أصحابنا واحتالوا فيه حتى شووه وقعدوا يأكلون وقالوا: تقدم. فقلت: أنتم تعلمون أنني منذ ساعة تركته لله عز وجل، وما كنت لارجع في شئ تركته له، لعله جرى ذلك على لساني لأجل موتى من بينكم، لأني ما أكلت شيئا منذ أيام، وما أطمع في شئ آخر، وما يراني الله أنقض عهده ولو مت، واعتزلتهم وأكل أصحابي وأقبل الليل، وتفرقنا إلى مواضعنا التي كنا فهيا نبيت وأويت إلى أصل شجرة كنت أبيت عندها فلم يكن إلا لحظة فإذا بفيل عظيم قد أقبل وهو ينعر، والصحراء تتدكدك بنعيره وشدة شغبه وهو يطلبنا. فقال بعضهم: قد حضر الاجل فاستسلموا وتشهدوا وأخذنا في الاستغفار والتسبيح وطرح القوم نفوسهم