قلت: وإنما اكتفى عليه الصلاة والسلام بالشهادتين، لان أهل زمنه كانوا منكرين لرسالته أصلا كما يأتي.
ثم اعلم أنه يؤخذ من مسألة العيسوي أن من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلا أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده لأنه كان يقر بالشهادتين معه فلا بد من تبرئه منه كما صرح به الشافعي، وهو ظاهر. قوله: (فيستفسر من جهل حاله) ذكر ذلك في النهر بعد أن ذكر أنه ليس كل اليهود والنصارى كذلك بل طائفة منهم يقال لهم العيسوية، فقال: وعلى هذا فينبغي أن يستفسر الآتي بالشهادتين منهم إن جهم حاله اه: أي فإن ادعى أنه عيسوي يعتقد تخصيص الرسالة بغير بني إسرائيل لا يصح إسلامه إلا بالتبري، وإن ادعى أنه ينكرها مطلقا اكتفى بالشهادتين، فافهم. قوله:
(بل عمم في الدرر الخ) في البحر أو الجهاد عن الذخيرة: أما اليهود والنصارى فكان إسلامهم في زمنه عليه الصلاة والسلام بالشهادتين لأنهم كانوا ينكرون رسالته (ص)، وأما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الاسلام، لأنهم يقولون: إنه رسول إلى العرب والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد اه. وفي شرح السير للسرخسي: وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا أتى واحد منهم بالشهادتين لا يكون مسلما، لأنهم جميعا يقولون هذا: ليس من نصراني ولا يهودي عندنا نسأله إلا قال هذه الكلمة، فإذا استفسرته قال رسول الله إليكم لا إلى بني إسرائيل، ثم قال: ولو قال أنا مسلم لم يكن مسلما بهذا، لان كل فريق يدعي ذلك لنفسه، فالمسلم هو المستسلم للحق، وكل ذي دين يدعي أنه منقاد للحق، وكان شيخنا الامام يقول: إلا المجوس في ديارنا، فإن من يقول منهم أنا مسلم يصير مسلما، لأنهم يأبون هذه الصفة لأنفسهم ويسبون به أولادهم ويقولون يا مسلمان اه.
قلت: وما عزاه إلى شيخه: يعني الامام الحلواني جزم به في محل آخر، وقدمنا عنه قريبا في الوثني أنه يصير مسلما بقوله: أنا مسلم أو على دين محمد أو الحنيفية أو الاسلام، فعلى هذا يقال كذلك في اليهود والنصارى في بلادنا، فإنهم يمنعون من قول أنا مسلم، حتى أن أحدهم إذا أراد منع نفسه عن أمر يقول: إن فعلته أكون مسلما.
فإذا قال: أنا مسلم طائعا فهو دليل إسلامه وإن لم يسمع منه النطق بالشهادتين، كما صرح به في شرح السير فيمن صلى بجماعة فإنه يحكم بإسلامه، وبأنه يحكم بالاسلام بمجرد سيما المسلمين في حق الصلاة عليه إذا مات، وكذا يمتنعون من النطق بالشهادتين أشد الامتناع، فإذا أتى بهما طائعا يجب الحكم بإسلامه لأنه فوق السيما، إذ لا شك أن محمدا إنما اشترط التبري بناء على ما كان في زمنه من إقرارهم بالرسالة، على خلاف ما كان في زمن النبي (ص) من إنكارها، فإذا أنكروها في زماننا وامتنعوا من النطق بالشهادتين يجب أن يرجع الامر إلى ما كان في زمنه (ص)، إذ لم يبق وجه للعدول عنه. على أن محمدا إنما حكم على ما كان في بلاد العراق لا مطلقا كما يوهمه ما في الدرر، وعن هذا ذكر العلامة قاسم أنه سئل عن سامري أتى بالشهادتين ثم رجع فأجاب بما حاصله أنه ينظر في اعتقاده، فإنهم ذكروا أن بعض اليهود يخصص رسالة نبينا (ص) بالعرب، وهذا لا يكفيه مجرد الشهادتين، بخلاف من ينكر الرسالة أصلا، وبعض من أعمى الله قلبه جعلهم فرقة واحدة في جميع