المذاهب، وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه، مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أخذ أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام. قوله: (ومفاده قبول التوبة) أقول: بل هو صريح، ونص في ذلك كما علمته. قوله:
(والبزازي تبع صاحب السيف المسلول) الذي قاله البزازي: إنه يقتل حدا، ولا توبة له أصلا، سواء بعد القدرة عليه والشهادة، أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لأنه حد وجب، فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور فيه خلاف لاحد، لأنه تعلق به حق العبد إلى أن قال: ودلائل المسألة تعرف في كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول اه. وهذا كلام يقتضي منه غاية العجب، كيف يقول لا يتصور فيه خلاف لأحد بعد ما وقع فيه الأئمة المجتهدين مع صدق الناقلين عنهم كما أسمعناك وعزوه المسألة إلى كتاب الصارم المسلول وهو ابن تيمية الحنبلي يدل على أنه لم يتصفح ما نقلناه عنه من التصريح بأن مذهب الحنفية والشافعية قبول التوبة في مواضع متعددة، وكذلك صرح به السبكي في السيف المسلول والقاضي عياض في الشفاء كما سمعته، مع أن عبارة البزازي بطولها أكثرها مأخوذ من الشفاء.
فقد علم أن البزازي قد تساهل غاية التساهل في نقل هذه المسألة، وليته حيث لم ينقلها عن أحد من أهل مذهبنا بل استند إلى ما في الشفاء والصارم، أمعن النظر في المراجعة حتى يرى ما هو صريح في خلاف ما فهمه ممن نقل المسألة عنهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم. فلقد صار هذا التساهل سببا لوقوع المتأخرين عنه في الخطأ حيث اعتمدوا على نقله وقلدوه في ذلك، ولم ينقل أحد منهم المسألة عن كتاب من كتب الحنفية، بل المنقول قبل حدوث هذا القول من البزازي في كتبنا وكتب غيرنا خلافه. قوله: (وقد صرح في النتف الخ) أقول: ورأيت في كتاب الخراج لأبي يوسف ما نصه: وأيما رجل مسلم سب رسول الله (ص) أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك المرأة، إلا أن أبا حنيفة قال: لا تقتل المرأة وتجبر على الاسلام اه. وهكذا نقل الخبر الرملي في حاشية البحر: أن المسطور في كتب المذهب أنها ردة، وحكمها حكمها، ثم نقل عبارة النتف ومعين الحكام: والعجب منه أنه أفتى بخلافه في الفتاوى الخيرية.
رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل: والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الاسلام: يعني ابن عبد العال، ورأي هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك.
وقد أسمعني بعض مشايخي رسالة حاصلها أنه لا يقتل بعد الاسلام، وأن هذا هو المذهب اه.
وكذلك كتب شيخ مشايخنا الرحمتي هنا على نسخته أن مقتضى كلام الشفاء وابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث إن فريضة الحج أدركت أبي الخ أن مذهب أبي حنيفة والشافعي حكمه حكم المرتد، وقد علم أن المرتد تقبل توبته كما نقله هنا عن النتف وغيره، فإذا كان هذا في ساب الرسول (ص) ففي ساب الشيخين أو أحدهما بالأولى، فقد تحرر أن المذهب كمذهب الشافعي قبول