والمستحب غيره وهو المندوب، أو هما قسمان. وقد يطلق عليه سنة، وقدمنا تحقيق ذلك كله في سنن الضوء. قال في البحر عند قوله: وعلى بساط فيه تصاوير: الحاصل أن السنة إن كانت مؤكدة قوية لا يبعد كون تركها مكروها تحريما، وإن كانت غير مؤكدة فتركها مكروه تنزيها. وأما المستحب أو المندوب فينبغي أن يكره تركه أصلا، لقولهم: يستحب يوم الأضحى أن لا يأكل أولا إلا من أضحيته، ولو أكل من غيرها ليكره، فلم يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إلا أنه يشكل عليه قولهم: المكروه تنزيها مرجعه إلى خلاف الأولى، ولا شك أن ترك المستحب خلاف الأولى ا ه.
أقول: لكن صرح في البحر في صلاة العيد عند مسألة الاكل بأنه لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة، إذ لا بد لها من دليل خاص ا ه. وأشار إلى ذلك في التحرير الأصولي، بأن خلاف الأولى ما ليس فيه صيغة نهي كترك صلاة الضحى، بخلاف المكروه تنزيها، والظاهر أن خلاف الأولى أعم، فكل مكروه تنزيها خلاف الأولى، ولا عكس، لان خلاف الأولى قد لا يكون مكروها حيث لا دليل خاص كترك صلاة الضحى. وبه يظهر أن كون ترك المستحب راجعا إلى خلاف الأولى لا يلزم منه أن يكون مكروها إلا بنهي خاص، لان الكراهة حكم شرعي، فلا بد له من دليل، والله تعالى أعلم. قوله: (وحمل الطفل) أي لغير حاجة. قوله: (وما ورد الخ) جواب سؤال هو: أنه كيف يكون مكروها وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي قتادة أن النبي (ص) كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت النبي (ص)، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها؟ وقد أجيب عنه بأجوبة: منها ما ذكره الشارح أنه منسوخ بما ذكره من الحديث، وهو مردود بأن حديث إن في الصلاة لشغلا كان قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها. ومنها ما في البدائع: أنه (ص) لم يكره منه ذلك، لأنه كان محتاجا إليه لعدم من يحفظها، أو للتشريع بالفعل أن هذا غير مفسد، ومثله أيضا في زماننا لا يكره لواحد منا فعله عند الحاجة، أما بدونها فمكروه ا ه. وقد أطال المحقق ابن أمير حاج في الحلية في هذا المحل، ثم قال: إن كونه للتشريع بالفعل هو الصواب الذي لا يعدل عنه كما ذكره النووي، فإنه ذكر بعضهم أنه بالفعل أقوى من القول، ففعله ذلك لبيان الجواز، وأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته، وأن ثياب الأطفال وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها، وأن الافعال إذا لم تكن متوالية لا تبطل الصلاة فضلا عن الفعل القليل، إلى غير ذلك، وتمامه فيه.
تتمة: بقي من المكروهات أشياء أخر ذكرها في المنية ونور الإيضاح وغيرها: منها الصلاة بحضرة ما يشغل البال ويخل بالخشوع كزينة ولهو ولعب، ولذلك كرهت بحضرة طعام تميل إليه نفسه، وسيأتي في كتاب الحج قبيل باب القرآن: يكره للمصلي جعل نحو نعله خلفه لشغل قلبه.
ومنها ما في الخزائن: تغطية الانف والفم، والهرولة للصلاة، والاتكاء على حائط أو عصا في الفرض بلا عذر لا في النفل على الأصح، ورفع يديه عند الركوع، والرفع منه، وما روي من الفساد شاذ، وإتمام القراءة راكعا والقراءة في غير حالة القيام، ورفع الرأس ووضعه قبل الامام، والصلاة في مظان النجاسة كمقبرة وحمام، إلا إذا غسل موضعا منه ولا تمثال، أو صلى في موضع نزع الثياب، أو كان في المقبرة موضع أعد للصلاة ولا قبر ولا نجاسة فلا بأس كما في الخانية ا ه.