الثقة: إن فيها انحرافا، خلافا للشافعية في جميع ذلك كما بسطه في الفتاوى الخيرية، فإياك أن تنظر إلى ما يقال: إن قبلة أموي دمشق، وأكثر مساجدها المبنية على سمت قبلته فيها بعض انحراف، وإن أصح قبلة فيها قبلة جامع الحنابلة الذي في سفح الجبل، إذ لا شك أن قبلة الأموي من حين فتح الصحابة ومن صلى منهم إليها وكذا من بعدهم أعلم وأوثق وأدرى من فلكي لا ندري هل أصاب أم أخطأ، بل ذلك يرجح خطأه وكل خير في اتباع من سلف. قوله: (كالقطب) هو أقوى الأدلة، وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مستقبلا القبلة إن كان بناحية الكوفة وبغداد وهمدان، ويجعله من بمصر على عاتقه الأيسر، ومن بالعراق على كتفه الأيمن، ومن باليمن قباله مما يلي جانبه الأيسر، ومن بالشام وراءه.
بحر. قال ابن حجر: وقيل ينحرف بدمشق وما قاربها إلى الشرق قليلا ا ه.
وذكر الشراح للقبلة علامات أخر غالبها مبنية على سمت بلادهم، منها ما قدمناه عن شرح زاد الفقير والمنية فإنها علامة لقبلة سمرقند وما كان على سمتها، وفي حاشية الفتال قال البرجندي: ولا يخفى أن القبلة تختلف باختلاف البقاع، وما ذكروه يصح بالنسبة إلى بقعة معينة، وأمر القبلة إنما يتحقق بقواعد الهندسة والحساب، بأن يعرف بعد مكة عن خط الاستواء وعن طرف المغرب ثم بعد البلد المفروض كذلك ثم يقاس بتلك القواعد ليتحقق سمت القبلة ا ه. لكن قال القهستاني: ومنهم من بناه على بعض العلوم الحكمية، إلا أن العلامة البخاري قال في الكشف: إن أصحابنا لم يعتبروه ا ه. وأفاد في النهر أن دلائل النجوم معتبرة عند قوم وعند آخرين ليست بمعتبرة، قال:
وعليه إطلاق عامة المتون ا ه.
أقول: لم أر في المتون ما يدل على عدم اعتبارها، ولنا تعلم ما نهتدي به على القبلة من النجوم. وقال تعالى: * (والنجوم لتهتدوا بها) * (1) (الانعام: 79) - على أن محاريب الدنيا كلها نصبت بالتحري حتى منى كما نقله في البحر، ولا يخفى أن أقوى الأدلة النجوم. والظاهر أن الخلاف في عدم اعتبارها إنما هو عند وجود المحاريب القديمة إذ لا يجوز التحري معها كما قدمناه، لئلا يلزم تخطئة السلف الصالح وجماهير المسلمين، بخلاف ما إذا كان في المفازة فينبغي وجوب اعتبار النجوم ونحوها في المفازة لتصريح علمائنا وغيرهم بكونها علامة معتبرة، فينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة وفي القبلة على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والأصطرلاب، فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها، وغلبة الظن كافية في ذلك.
ولا يرد على ذلك ما صرح به علماؤنا من عدم الاعتماد على قول أهل النجوم في دخول رمضان، لان ذاك مبني على أن وجوب الصوم معلق برؤية الهلال، لحديث صوموا لرؤيته وتوليد الهلال ليس مبنيا على الرؤية، بل على قواعد فلكية، وهي وإن كانت صحيحة في نفسها، لكن إذا كانت ولادته في ليلة كذا فقد يرى فيها الهلال وقد لا يرى، والشارع علق الوجوب على الرؤية بالقبلة لا على الولادة، هذا ما ظهر لي والله أعلم. قوله: (وإلا فمن الأهل) أي وإن لم يكن ثمة محاريب قديمة فيسأل يعلم بالقبلة ممن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممن يكن بحضرته بأن يكون بحيث لو صاح به سمعه، أما غير العالم بها فلا فائدة في سؤاله، وأما غير مقبول الشهادة