ترك الناس البيع، ذكر المؤذنين بلفظ الجمع إخراجا للكلام مخرج العادة، لان المتوارث فيه اجتماعهم لتبلغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع ا ه. ففيه دليل على أنه غير مكروه، لان المتوارث لا يكون مكروها، وكذلك نقول في الاذان بين يدي الخطيب فيكون بدعة حسنة إذ ما رآه المؤمنون حسنا فهو حسن ا ه ملخصا.
أقول: وقد ذكر سيدي عبد الغني المسألة كذلك أخذا من كلام النهاية المذكور، ثم قال: ولا خصوصية للجمعة إذ الفروض الخمسة تحتاج للاعلام. قوله: (لو بجماعة الخ) أي في غير المسجد بقرينة ما يذكره قريبا من أنه لا يؤذن فيه للفائتة، ثم هذا قيد لقوله رافعا صوته وقد ذكره في البحر بحثا وقال: ولم أره في كلام أئمتنا. واستدل لرفع المنفرد في الصحراء بحديث الصحيح إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ا ه وأقره في النهر.
أقول: يخالفه ما في القهستاني من أنه يجب: يعني يلزم الجهر بالاذان لاعلام الناس، فلو أذن لنفسه خافت لأنه الأصل في الشرع كما في كشف المنار ا ه. على أن ما استدل به يفيد رفع الصوت للمنفرد في بيته أيضا لتكثير الشهود يوم القيامة، إلا أن يقال: المراد المبالغة في رفع الصوت، والمؤذن في بيته يرفع دون ذلك فوق ما يسمع نفسه، وعليه يحمل ما في القهستاني، فليتأمل.
قوله:) لا لفاسدة) أي إذا أعيدت في الوقت، وإلا كانت فائتة ط. وفي المجتبى، قوم ذكروا فساد صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الأذان والإقامة، وإن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة ا ه. لكن سيأتي أن الإقامة تعاد لو طال الفصل. قوله: (فيه) أي في الاذان. قوله: (لو في مجلس) أما لو في مجالس، فإن صلى في مجلس أكثر من واحدة فكذلك وإلا أذن وأقام لها. قوله: (وفعله أولى) لأنه اختلفت الروايات في قضائه (ص) ما فاته يوم الخندق، ففي بعضها أنه أمر بلالا فأذن وأقام للكل، وفي بعضها أنه اقتصر على الإقامة فيما بعد الأولى، فالأخذ بالزيادة أولى خصوصا في باب العبادات، وتمامه في الامداد. قوله:
(ويقيم للكل) أي لا يخير في الإقامة للباقي، بل يكره تركها كما في نور الايضاح.
تتمة: يأتي في صلاتي الجمع بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بأذان وإقامة، واختار الطحاوي أنه كعرفة، ورجحه ابن الهمام كما سيأتي في بابه إن شاء الله، وبقي لو جمع بين فائتة ومؤداة لم أره، ويظهر لي أنه يأتي بأذانين وإقامتين، والفرق بينه وبين الجمع بمزدلفة لا يخفى.
قوله: (ولا يسن ذلك) أي الأذان والإقامة، وأفرد الضمير على تأويل المذكور ح، وأراد ينفي السنية الكراهة في المواضع الثلاثة المذكورة كما يعلم من الامداد. قوله: (ولو جماعة) أخذه من قول الفتح، لان عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة، وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك، لان تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى ا ه. قلت:
وهو ظاهر ما في السراج أيضا، وكان الأولى للشارح أن يقول: ولو منفردة، لان جماعتهن الآن غير مشروعة فتفطن. قوله: (كجماعة صبيان وعبيد) لأنها غير مشروعة، فلا يشرعان فيها كتكبير التشريق