وقد يقال فيه: إذا شرع فيه ثم قطع تبادر إلى ظن السامعين أن قطعه للخطأ فينتظرون الاذان الحق وقد تفوت بذلك الصلاة، إلا أن هذا يقتضي وجوب الإعادة فيمن مر أنه يعاد أذانهم إلا الجنب: أي لعدم الاعتماد على قولهم، ولو قال قائل فيهم: إن علم الناس حالهم وجبت ولا استحبت ليقع فعل الاذان معتبرا وعلى وجه السنة لم يبعد، وعكسه في الخمسة المذكورة في الخلاصة ا ه.
أقول: يظهر لي أن المراد بالوجوب اللزوم في تحصيل سنة الاذان، وأن المراد أنه إذا عرض للمؤذن ما يمنعه عن الاتمام وأراد آخر أن يؤذن يلزمه استقبال الاذان من أوله إن أراد إقامة سنة الاذان، فلو بنى على ما مضى من أذان الأول لم يصح، فلذا قال في الخانية: لو عجز عن الاتمام استقبل غيره ا: أي لئلا يكون آتيا ببعض الاذان. قوله: (وجزم المصنف الخ) أي حيث قال فيما مر قيدنا بالمراهق لان أذان الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كالمجنون والمعتوه اه فافهم، وهذا ذكره في البحر بحثا فترجح عند المصنف فجزم به، ويؤيده ما في شر المنية من أنه يجب إعادة أذان السكران والمجنون والصبي غير العاقل، لعدم حصول المقصود، لعدم الاعتماد على قولهم ا ه. قوله: (قلت وكافر وفاسق) ذكر الفاسق هنا غير مناسب، لان صاحب البحر جعل العقل والاسلام شرط صحة، والعدالة والذكورة والطهارة شرط كمال. وقال: فأذان الفاسق والمرأة والجنب صحيح، ثم قال: وينبغي أن لا يصح أذان الفاسق بالنسبة إلى قبول خبره والاعتماد عليه:
أي لأنه لا يقبل قوله في الأمور الدينية فلم يوجد الاعلام كما ذكره الزيلعي.
وحاصله أنه يصح أذان الفاسق وإن لم يحصل به الاعلام: أي الاعتماد على قبول قوله في دخول الوقت، بخلاف الكافر وغير العاقل فلا يصح أصلا، فتسوية الشارح بين الكافر والفاسق غير مناسبة.
ثم اعلم أنه ذكر في الحاوي القدسي من سنن المؤذن: كونه رجلا عاقلا، صالحا عالما بالسنن والأوقات، مواظبا عليه، محتسبا، ثقة متطهرا مستقبلا، وذكر نحوه في الامداد، ومقتضاه أن العقل غير شرط لصحة الاذان فيصح أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، كما يصح أذان الفاسق والمرأة والجنب، ويدل عليه ما في البدائع من أنه يكره أذان المجنون والسكران، وأن الأحب إعادته في ظاهر الرواية، وأنه يكره أذان المرأة والصبي العاقل، ويجزي حتى لا يعاد لحصول المقصود وهو الاعلام، وروي عن الامام أنه تستحب إعادة أذان المرأة ا ه. وعلى هذه الرواية مشى الزيلعي. وذكر في البدائع أيضا أن أذان الصبي الذي لا يعقل لا يجزي ويعاد، لان ما يصدر لا عن عقل لا يعتد به كصوت الطيور ا ه. فحصلت المنافاة بين ما جزم به المصنف تبعا للبحر، وكذا ما قدمناه عن شرح المنية من عدم صحة أذان غير العاقل كالمجنون والمعتوه والسكران، وبين ما في الحاوي والبدائع من صحة أذان الكل سوى صبي لا يعقل.
والذي يظهر لي في التوفيق: هو أن المقصود الأصلي من الاذان في الشرع الاعلام بدخول أوقات الصلاة ثم صار من شعار الاسلام في كل بلدة أو ناحية من البلاد الواسعة على ما مر، فمن حيث الاعلام بدخول الوقت وقبول قوله لابد من الاسلام والعقل والبلوغ والعدالة، وقدمنا قبل هذا