تعالى وسنة رسوله (ص) فإني راجع عنه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) قال المزني: قرأت كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأ، فقال الشافعي: هيه، أبي الله أن يكون كتابا صحيحا غير كتابه اه. قوله: (قليل خطأ المرء) أي خطأ المرء القليل، فهو من إضافة الصفة للموصوف، وعبر بالخطأ إشارة إلى أن ذلك واقع لا عن اختيار، فالاثم مرفوع والثواب ثابت ط. قوله: (في كثير صوابه) متعلق بمحذوف حال من الخطأ: أي الخطأ القليل كائنا في أثناء الصواب الكثير أو بإغتفر، وفي بعض مع، أو للتعليل أفاده ط. ولا يخفى ما في الجمع بين القليل وكثير وخطأ وصواب من الطباق. قوله: (ومع هذا) أي مع ما حواه من التحريرات والتحقيقات اه. ح. قلت: والأولى جعله مرتبطا بقوله: ويأبى الله أي مع كونه غير محفوظ من الخلل فمن أتقنه كما تقول فلان بخيل ومع ذلك فهو أحسن حالا من فلان ط. قوله: (فهو الفقيه) الجملة خبر من قرنت بالفاء لعموم المبتدأ فأشبه الشرط، والمراد بالفقيه: من يحفظ الفروع الفقهية ويصير له إدراك في الأحكام المتعلقة بنفسه وغيره. وسيأتي الكلام على معنى الفقه لغة واصطلاحا ط قوله: (الماهر) أي الحاذق. قاموس. قوله: (ومن ظفر) في القاموس: الظفر بالتحريك: الفوز بالمطلوب ظفره، وظفر به، وعليه. قوله: (بما فيه) أي من التحريرات والتحقيقات والفروع الجمة والمسائل المهمة. قوله: (فسيقول) أتى بسين التنفيس لان ذلك يكون عند السؤال، أو المناظرة مع الاخوان غالبا، أو أنها زائدة أفاد ه ط أو لأنه إنما يكون بعد اطلاعه على غيره من الكتب التي حررها غيره وطولها بنقل الأقوال الكثيرة والتعليلات الشهيرة. وخلافيات المذاهب والاستدلالات مع خلوها من تكثير الفروع والتعويل على المعتمد منها كغالب شروح الهداية وغيرها، فإذا اطلع على ذلك علم أن هذا الشرح هو الدرة الفريدة الجامع لتلك الأوصاف الحميدة، ولذا أكب عليه أهل هذا الزمان في جميع البلدان. قوله: (بملء فيه) الملء بالكسر: اسم ما يأخذه الاناء إذا امتلأ وبهاء هيئة الامتلاء ومصدره ملء. قاموس. وفيه استعارة تصريحية حيث شبه الكلام الصريح الذي يستحسنه قائله ويرتضيه، ولا يتحاشى عن الجهر به بما يملا الاناء بجامع بلوغ كل إلى نهاية أو مكنية حيث شبه الفم بالاناء، والملة تخييل. وهو كناية عن الاتيان بهذا القول جهرا بلا توقف ولا خوف من تكذيب طاعن، وبين قوله فيه: وفيه الجناس التام. قوله: (كم ترك الأول للاخر) مقول القول وكم خبرية للتكثير مفعول ترك، والمراد بالأول والاخر جنس من تقدم في الزمن ومن تأخر، وهذا القول في معنى ما قاله ابن مالك في خطبة التسهيل، وإذا كانت العلوم منحا إلهية، ومواهب احتصاصية، فغير مستعبد أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر على كثير من المتقدمين اه.
وأنت ترى كتب المتأخرين تفوق على كتب المتقدمين في الضبط والاختصار وجزالة الألفاظ وجمع المسائل، لان المتقدمين كان مصرف أذهانهم إلى استنباط المسائل وتقويم الدلائل. فالعالم المتأخر يصرف ذهنه إلى تنقيح ما قالوه، وتبيين ما أجملوه، وتقييد ما أطلقوه، وجمع ما فرقوه، واختصار عباراتهم، وبيان ما استقر عليه الامر من اختلافاتهم، فهو كماشطة عروس رباها أهلها حتى صلحت للزواج، تزينها وتعرضها على الأزواج، وعلى كل فالفضل للأوائل كما قال القائل: