تنجيس المسجد الخراب وتطهيره:
أما الموضع الرابع: وهو أنه لو جعل المسجد طريقا، أو محلا للكسب ونحو ذلك، فهل يجوز تنجيسه ولا يجب تطهيره، أم يحرم الأول ولا يجب الثاني، أم يحرم الأول ويجب الثاني؟
أقوال ووجوه.
وقد استدل للأخير، بأن عنوان المسجدية من العناوين غير القابلة للزوال فمع بقائه شرعا وإن ارتفع ذلك عرفا، يترتب عليه أحكامه، كحرمة تنجيسه، ووجوب تطهيره، وعلى فرض التنزل وتسليم الشك في زواله يجري استصحاب بقائه، ويترتب عليه أحكامه.
وفيه: أن عنوان المسجدية وإن كان غير قابل للزوال، إلا أن الاشكال في المقام من ناحية عدم الدليل على حرمة تنجيس المسجد، ووجوب إزالتها عنه سوى أدلة لا اطلاق لها يشمل كل ما يصدق عليه المسجد، ومن المحتمل اختصاص الحكمين بالعامر، ومعه لا بد من الأخذ بالمتيقن، وفي مورد الشك يرجع إلى أصالة البراءة عن كلا الحكمين.
واستدل للثاني بوجوه:
الوجه الأول: إن مقتضى اطلاق دليل الحكمين ثبوتهما في الفرض إلا أن وجوب الإزالة يكون حرجيا فيرتفع بما دل على نفي الحرج.
وفيه: إن عدم وجوب الإزالة حينئذ إنما يدور مدار الحرج فلو لم يلزم ولو في مورد واحد لا وجه للحكم بارتفاع الوجوب: إذ الحرج كساير ما يؤخذ موضوعا للحكم إنما يثبت له الحكم إذا تحقق مصداقه في الخارج، ففي كل مورد لزم من وجوب الإزالة حرج يحكم بعدمه، وأما إذا لم يلزم من جعله الحرج في مورد فلا وجه لارتفاعه.
مع: أن أدلة الحكمين لا اطلاق لها يشمل المقام: لورودها في مقام بيان أحكام أخر، وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله وقد أشبعناه بالبحث في الجزء الثالث من كتابنا " فقه الصادق ".
الوجه الثاني: إن دليل الحكمين لا اطلاق له يشمل المقام فيتعين الرجوع إلى الاستصحاب، ومقتضاه حرمة التنجيس: فإن هذا الحكم كان ثابتا له قبل الخراب ويشك