إذا عرفت هذا، فاعلم أن المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل في المثلي هو أنه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة، غاية الأمر يجب اسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو اسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة إلا يوم الاسقاط وتفريغ الذمة. وأما بناء على ما ذكرنا من أن المتبادر من أدلة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف فالأقرب، كان المثل مقدما مع تيسره ومع تعذره ابتداء كما في القيمي، أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه كان المتعين هو القيمة. فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، وهو حال الاعواز فحال الاعواز معتبر من حيث إنه أول أزمنة صيرورة التالف قيميا لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين. فعلى القول باعتبار يوم التلف في القيمي، توجه ما اختاره الحلي رحمه الله ولو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، كما عليه جماعة من القدماء توجه ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الاعواز، إذ كما أن ارتفاع القمية مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائه المتدارك لارتفاع القيم كذلك بشرط تعذر المثل في المثلي، إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية، و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا كان أداء مثلها عند تلفها كرد عينها في إلغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين والمثل.
فإن قلنا إن تعذر المثل يسقط المثل كما أن تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الاعواز، وهو أصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية على ما قيل.
وإن قلنا: إن تعذر المثل لا يسقط المثل وليس كتلف العين، كان ارتفاع القيم فيما بعد تعذر المثل أيضا مضمونا فيتوجه ضمان القيمة من حين الغصب إلى حين دفع القمية، وهو المحكي عن الإيضاح، وهو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم رد العين أو المثل.