فترى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هجرته إلى المدينة باشر بتأسيس أول دولة اسلامية عادلة، وقد مهد لها مقدماتها من أخذ البيعة من القبائل والوفود وعقد ميثاق الاخوة بين المهاجرين والأنصار والمعاهدة بينهم وبين يهود المدينة. وأقام مسجدا جعله مركزا لتجمع المسلمين وموضعا لصلواتهم ولنشاطاتهم الاجتماعية والسياسية.
وراسل الملوك والامراء في البلاد وكتب إليهم يدعوهم إلى الاسلام والدخول تحت ظل حكومته.
ولم يقنع ببيان الاحكام وإقامة الصلوات والتبليغ والارشاد فقط. بل كان ينفذ حدود الاسلام واحكامه ويبعث العمال والولاة ويطالب بالضرائب والماليات و يجهز الجيوش ويقاتل المشركين والمناوئين، إلى غير ذلك من شؤون الحكومة. فهذه كانت سيرته في حياته. وقد كان الحكم الذي قام به (صلى الله عليه وآله وسلم) في عصره مع قصر مدته حكما فريدا لم تعرف البشرية إلى الآن له شبيها في سهولته وسذاجته وما وجد فيه الناس من عدل وحرية ومساواة وايثار، وقد أذعن بذلك المؤرخون من غير المسلمين أيضا.
وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشك أحد من المسلمين في الاحتياج إلى الحكومة، بل أجمعوا على وجوبها وضرورتها. وأنما وقع الخلاف بين الفريقين في انه (صلى الله عليه وآله وسلم) هل نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) واليا أو إنه أهمل أمر الخلاقة وفوضه إلى المسلمين. فالشيعة الامامية تعتقد ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عين أمير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم وفي غيره من المواقف و نصبه لتصدي الولاية بعد وفاته. والسنة يقولون بانعقاد الإمامة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشورى و انتخاب أهل الحل والعقد. وكيف كان فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مضافا إلى نبوته ورسالته كان بنص القرآن الكريم أولى بالمؤمنين من أنفسهم وكان له الولاية عليهم، وكذلك الأئمة الاثنا عشر عندنا كان لهم حق الولاية. والبحث بحث كلامي يطلب من محله.
وتمتاز الحكومة الاسلامية عن الحكومة الديموقراطية الغربية الدارجة بوجوه:
منها: ان الحاكم في الحكومة الاسلامية يجب أن يكون أعلم الناس وأعدلهم و أتقاهم وأقواهم بالأمر وأبصرهم بمواقع الأمور. ففي عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو بنفسه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وكانت له الولاية عليهم من قبل الله - تعالى -. وبعده كانت الولاية عندنا حقا للأئمة الاثني عشر، وفي عصر الغيبة للفقيه العادل العالم بزمانه البصير بالأمور والحوادث الرؤوف الحافظ لحقوق الناس حتى الأقليات غير المسلمة،