وميول مختلفة: من حب الذات، وحب المال والجاه، والحرية المطلقة في كل ما يريده و يهواه. وكثيرا ما يستلزم ذلك كله التزاحم والتضارب في الأفكار والأهواء، ويستعقب الجدال والصراع. فلا محالة تقع الحاجة إلى قوانين ومقررات، والى قوة منفذة لها مانعة من التعدي والكفاح، ولا نعني بالحكومة إلا هذه القوة المنفذة.
بل الحيوانات أيضا لا تخلو من نحو من النظام، كما يشاهد ذلك في النمل والنحل ونحوهما.
وحتى لو فرضنا محالا أو نادرا تكامل المجتمع وتحقق الرشد الأخلاقي لجميع أفراده، وحصول الإيثار والتناصف بينهم فالاحتياج إلى نظام يجمع أمرهم في المصالح العامة ويسد حاجاتهم في الأرزاق والأمور الصحية، والتعليم والتربية، و المواصلات والمخابرات، والطرق والشوارع وغير ذلك من الأمور الرفاهية، و جباية الضرائب وصرفها في هذه المصارف العامة، مما لا يقبل الانكار. ولا يختص هذا بعصر دون عصر أو ظرف دون ظرف.
فما عن الأصم من عدم الاحتياج إلى الحكومة إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم، وما عن ماركس من عدم الاحتياج إليها بعد تحقق الكمون المترقي وارتفاع الاختلاف الطبقي واضح الفساد.
وأما ما تراه من استيحاش أكثر الناس في بلادنا وتنفرهم من اسم الحكومة و الدولة فليس إلا لابتلائهم طوال القرون المتمادية بأنواع الحكومات المستبدة الظالمة أو غير اللائقة التي لم تملك البصيرة والكفاية. وإلا فالحكومة الصالحة اللائقة الحافظة لحقوق الأمة الآخذة بيدها المدافعة عن منافعها ومصالحها، مما تقبلها الطباع السليمة ويحكم بضرورتها العقل السليم.
بل ان الحكومة الجائرة أيضا مع ما فيها من الشر والفساد خير من الفتنة والهرج، كما عن أمير المؤمنين: (عليه السلام) " وال ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم. " (1) وفي نهج البلاغة في رد كلام الخوارج: " هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله، وانه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر. " (2)