وأما المرتبة الثانية فهي أمر اعتباري، بل المناصب كلها أمور اعتبارية ليس بإزائها شئ في الخارج، سواء جعلت من قبل الله - تعالى - أو من قبل الأمة. غاية الأمر ان اعتبار منصب خاص لشخص خاص لا محالة يكون مشروطا بكونه لائقا له واجدا للفضائل النفسانية أو الخارجية وإلا كان جزافا. والشروط أمور وصفات خارجية تكوينية. فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلا كان واجدا لفضائل ذاتية وكسبية وبلغ من القرب إلى الله - تعالى - مقاما لم يصل اليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولكن هذه الفضائل غير مأموريته بتبليغ احكام الله - تعالى - أو كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. هذا.
واما المرتبة الثالثة فهي خارجية الولاية وعينيتها بلحاظ تحقق آثارها في الخارج، حيث يتسلط الوالي بقواه وتنقاد له الأمة وينبعثون عن أوامره ونواهيه طوعا أو كرها. وهذه المرتبة لها وجهتان: وجهة كونها مقاما وسلطة يتنافس فيها المتنافسون، ووجهة كونها أمانة من الله ومن الناس ولا تستعقب الا مسؤولية و كلفة. وإنما ينظر إليها أولياء الله بالوجهة الثانية، كما في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأشعث عامله على آذربيجان: " ان عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة. " (1) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) مشيرا إلى نعله: " والله لهي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حقا أو ادفع باطلا " (2)، لايراد به الا هذه المرتبة من الولاية. إذ لا يريد (عليه السلام) كون النعل أحب اليه من علومه وفضائله وكراماته التي بها فاق الأقران وصار لائقا للخلافة و الولاية، ولا يريد به المنصب المجعول له في غدير خم أيضا. وإنما يريد به السلطة و الإمارة الفعلية التي لا توجب الا كلفة ومسؤولية، وان كان الناس مولعين بها بما هي رياسة ومقام. فالنعل التي بها ترفع حاجاته ولا توجب مسؤولية أفضل عنده وأحب من المقام المستعقب للمسؤولية والكلفة إلا أن يقيم به حقا أو يدفع به باطلا ويحصل به لنفسه قربا وأجرا.