وليس المراد أيضا تحريم القيام في قبال الملوك، وإلا لم يصح قيام أمير المؤمنين (عليه السلام) في قبال معاوية الذي أحكم أساس ملكه في الشام، وقد قاتله ورغب في قتاله وقال (عليه السلام) كما في نهج البلاغة: " وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد. " (1) ولو صح ما مر في مقدمة الصحيفة من ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسر اليه والى أهل بيته بملك بني أمية ومدته فلا محالة كان غرضه (عليه السلام) من قتاله تميز صف الحق من صف الباطل واتمام الحجة، كما يشعر به ظاهر العبارة. وهكذا قيام سيد الشهداء في قبال ملك يزيد.
وبالجملة، لم يكن غرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الفقرة بيان عدم النجاح أو حرمة القيام في قبال الملوك، بل بيان ان المقدر والمقضى من الملك كغيره من الأمور كائن لا محالة، فيجب ان لا توجب الهزيمة على يد الملوك يأسا للقائم بالحق، فلعله يظفر بعد ذلك وان لم يظفر فإنه قد عمل بوظيفته، أو بيان ان إزالة الملك أمر عسير جدا، كإزالة الجبل الراسي، وانه أمر لا يتحقق إلا بتهيئة مقدمات كثيرة ومرور زمان كثير و ارشاد الناس وتوعيتهم السياسية، كما ان إزالة الجبل عن موضعه لا تتحقق إلا بصرف زمان كثير وطاقات كثيرة.
وعلى أي حال فوظيفة الناس بالنسبة إلى الدفاع عن الاسلام والمسلمين باقية بحالها، ولا محالة يجب تحصيل مقدماتها، فتدبر.